في الأسبوع الماضي هزت قلوبنا فاجعة أليمة، أيقظت دروس الصدق عند البلاء، والوفاء عند الشدائد؛ إذ هوت حافلة للمسافرين إلى عمق وادي الحراش بالمحمدية، فخلفت شهداء ومصابين، ورسمت على وجوه الأمهات والآباء لوعة لا توصف، وذكرتنا بسنة الابتلاء، وأن الصبر عند المصيبة ميزان الإيمان، وعنوان الوفاء. أيها الأحبة في الله: لقد وقعت هذه الحادثة الأليمة مساء الجمعة الماضية، مذكّرة بقول النبي ﷺ: “ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر” رواه الترمذي. فاختار الله من ضحاياها من ختم له في يوم مبارك، نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء، ويصبر ذويهم، ويمن على الجرحى بالشفاء العاجل. إن الشدائد تمحص القلوب، وتكشف صدق الإيمان، وإن مما يثبت الفؤاد ويطمئن النفس ما ورد عن رسول الله ﷺ: “الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله”. وفي رواية للإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله ﷺ عن موت الفجأة، فقال: “راحة للمؤمن، وأخذة أسف للفاجر”. وقد تجلى في هذه الفاجعة مشهد وطني مهيب، حيث وقفت الدولة، قيادة وحكومة وجيشا وشعبا، إلى جانب الضحايا وذويهم، وسارعت في الإغاثة والتكفل والتخفيف. وليس هذا بغريب عن أمة وصفها الله بالخيرية: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” آل عمران: 110. إذ هب الشعب كله بالدعاء والمواساة، مجسدا قول النبي ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد”. فصبرا يا أهل الضحايا، واعلموا أن ما عند الله خير وأبقى، وأن أحبتكم كانوا أمانات عندكم، فردوا إلى خالقهم، وهو أرحم بهم منكم جميعا. ولعل دموعكم رفعة لهم، وتسبيحكم واسترجاعكم نور يهدى إلى قبورهم، فجددوا الإيمان، وأحسنوا الظن بالرحمن. اللهم يا رحيم يا رحمن، يا واسع الغفران، ارحم شهداءنا الأبرار، واحفظ من بقي من مجاهدينا الأبطال، وارحم من قضى منهم، ومن اخترتهم إلى جوارك في هذا الحادث الأليم.
اللهم اجعلهم في عداد الشهداء، وارفع درجاتهم في عليين، واجعلهم في جنات النعيم، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم اربط على قلوب أهليهم بالصبر والسلوان، وألهمهم الرضا واليقين، واشف جرحاهم شفاء تاما عاجلا، واجعل ما أصابهم رفعة لهم في الدنيا والآخرة.
الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر