محبة الوطن من الفطرة

محبة الوطن من الفطرة

من حكمةِ الله جلَّ جلاله أن جعلَ محبةَ الأوطانِ فطرةً في باطن الإنسان، فنبضت بها القلوبُ، وجرت بها الدماءُ في العروقِ، وتوارثها الأبناءُ عن الآباءِ جيلاً بعد جيل، يطيبُ العيش في الوطنِ، ولو كان الوطنُ كثبانَ رملٍ بصحراء، وإن غادر الإنسان وطنَه لضرورةٍ يبقى الحنينُ إليه ساكنًا في ذهنِه ووجدانِه، بل يحنُّ الإنسانُ إلى وطنه بمجردِ السَّماعِ حين يعلم أنَّ أباه وجدَّه قَدِما من بلدٍ بعيد، يتولَّدُ فيه الحنين إلى ذلك البلدِ قبل أن يراه، هكذا زرعَ الله في نفوسِنا محبةَ الوطن؛ هذه المحبةُ وجدها حبيبُ هذه الأمة صلَّى الله عليه وسلَّم في بدايةِ رسالته في يوم بعثته المباركة. يوم ذهبَ مع زوجتِه خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، وكان ورقةُ عالِمًا بالتوراةِ والإنجيل، فسمع من رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بدايةَ نزولِ الوحي، فقال له: “إنَّ قومَك سوف يعادونك وسوف يلحقُك منهم شديدُ الأذى”، وكان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يسمعُ لورقة في سكونٍ، حتى قال ورقةُ: “وسوف يخرجونك”، فانزعج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وتراءى أمامَه فراقُ مكَّةَ، وتحرَّكتْ في قلبِه محبة الوطنِ، فقال بشديدِ الأسى: “أوَمخرجِيَّ هم؟!” قال: “نعم، لم يأتِ رجلٌ قط بمثلِ ما جئتَ به إلا عُودي”.

وبعد ثلاثة وخمسين عامًا من عمره صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي ليلةِ هجرتِه إلى المدينةِ وقفَ على مشارفِ مكَّةَ وعيناه تدمعان، وخاطبها بما في ذلك القلب الكبير من محبةٍ وحنان؛ قال لها وقولُه في صحيح الجامع: ” ما أطيبَكِ من بلدٍ، وما أحبكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ”، واستقرَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالمدينةِ المنورة، وأسَّس فيها دولةَ الإسلامِ، ولم ينس مكَّةَ، فكان من دعائه: ” اللهمَّ حبِّب إلينا المدينةَ كحبِّنا مكةَ أو أشد”، هكذا كان مَثَلُنا وقدوتُنا صلَّى الله عليه وسلَّم يحمل في قلبِه الطاهر محبتَه الصادقة للوطنِ. وكم يحتاجُ وطنُنا اليوم إلى قلوبٍ سليمةٍ منفتحة على كلِّ أبوابِ الخير؛ واعية بحقِّ ربِّها عالمة بحقوقِ من حولها! وكم يحتاجُ وطنُنا اليوم إلى جموعٍ متآلفة متعاونة تقية، تتعاملُ بينها بإحسانٍ لتنشأ الأمَّةُ التي أرادنا اللهُ أن نحيا في رحابِها في أمانٍ واطمئنان، فنحن باللهِ إخوةٌ، ونحن في الدِّين إخوة، ونحن في الوطنِ إخوة، والأخوةُ بيننا مودةٌ ورحمة، ونحن إخوةٌ كذلك في الوطنِ، والوطنُ في حاجةٍ إلى حسن تعاملنا بالمحافظةِ على مناعتِه وسلامتِه.

من موقع شبكة الألوكة الإسلامي