مختصون يضعون أصبعهم على الجرح.. الطلاق والخلع ..التأهيل الأسري ورخصة الزواج.. هل سيحلان المعضلة؟

elmaouid

دعوات للاقتداء بالتجربة الماليزية الناجحة

كشفت أرقام رسمية عن ارتفاع مخيف في السنوات الأخيرة لمعدلات الطلاق في الجزائر، وهو ما دفع المختصين إلى دق ناقوس الخطر للحد من تنامي الظاهرة التي طالت سنويا حوالي خُمس حالات الزواج.

وتحدث الطيب لوح وزير العدل عن تنامي معدلات الطلاق في البلاد، بصورة قياسية، وقال إنّ نسب الطلاق ارتفعت من 57 ألف حالة طلاق في 2015، إلى 63 ألف حالة في 2016، لتستقر عند 68 ألف حالة في 2017، مقارنة بـ349 ألف حالة زواج في نفس العام، ما يمثل ما نسبته 20 بالمائة من إجمالي عدد حالات الزواج.

 

المختصون بين العلم بالأسباب والسعي لإيجاد الحلول

تطرق المختصون في الفقه و علم الاجتماع خلال الندوة التي نظمها المجلس الإسلامي الأعلى إلى مخاطر الطلاق والخلع على المجتمع والأبناء والبناء النفسي للأفراد، وقدم كل من جهته الحلول الفقهية والتشريعية والعملية المناسبة للحد من الظاهرة، وحملت في جوهرها إصلاح ذات البين والتأكيد على أهمية التأهيل الأسري قبل الزواج، وتقنين الخلع بإخضاع الأمر للقاضي.

 

الدكتورة زبيدة اقروفة: “مجموعة متغيرات تحكمت في الرابطة الزوجية”

أثارت السيدة زبيدة اقروفة، أستاذة في الشريعة والقانون بجامعة بجاية إشكالية “هل الخلع مقاربة فقهية قانونية”، و”هل الخلع نجاة للمرأة أم مأساة للأسرة الجزائرية”، وأوضحت في معرض حديثها أن إحصائيات سنة 2017، أشارت إلى وجود 68 ألف حالة طلاق بنسبة 20 بالمائة من حالات الزواج، مؤكدة أن مبدأ المخالعة كحق للمرأة ثبت في الكتاب والسنة.

وتطرقت الدكتورة إلى أسباب ارتفاع قضايا فك الرابطة الزوجية التي تعود إلى مجموعة من المتغيرات الاجتماعية، النفسية والاقتصادية التي وقعت في المجتمع، كما أشارت الدكتورة اقروفة في مداخلتها، إلى الآليات والحلول “التي قد تنقص من قضايا الخلع والطلاق وفك الرابطة الزوجية، ومنها التأهيل الأسري، الإعداد والتحضير السابق للأزواج من الجنسين، إذ أكدت أن الوضع تغير جذريا الآن، فالمرأة كانت في السابق تتلقى تحضيرا للزواج من الأسرة الموسعة، فقد كانت تتدرب تلقائيا من الأسرة الكبيرة؛ من الأم والجدة والعمة والخالة وزوجة العم والخال. وتضيف الدكتورة “الآن تغيّرت المعطيات، إذ أن المرأة في عصرنا تقضي شطرا من عمرها خارج البيت”، وهي العوامل التي قالت المختصة بأنها تؤثر على العلاقات الزوجية، لهذا اقترحت أن يكون هناك تأهيل لكل مقبل على الزواج، ويكون كل طرف ملما بجوهر العلاقة وبطريقة التحاور والتواصل مع الزوج، مع مراعاة الجانب النفسي، وفهم تكوين الطرف الآخر من خلال التشبع ببعض المعارف من علمي النفس والاجتماع.

 

زهرة جيرة: “الضغوط المجتمعية وتحرر المرأة وراء تفشي الظاهرتين”

من جهتها، أكدت أخصائية علم الاجتماع الدكتورة زهرة جيرة، أن الطلاق مشكل يمس الأسرة بالدرجة الأولى، والمجتمع، وله آثار وخيمة على المجتمع برمته، خاصة أن الزواج ارتباط أسرتين وليس شخصين فقط. وتطرقت إلى رأس الأسباب وهو البداية أو نقطة الانطلاق التي تكون خاطئة ويحدث بموجبها التفكك الأسري.

 

الدكتور سعيد بويزيري: “القوانين موجودة وينقصها التنفيذ”

تطرق الدكتور سعيد بويزيري، عضو المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس جمعية “الصلح”، خلال مداخلته في الندوة إلى مجموع النصوص القانونية والتشريعية التي تتحدث عن الخلع والطلاق والإصلاح، أنه إذا كانت الأسرة قوية متماسكة، فإن المجتمع سيكون متماسكا، أما إذا أصيبت الأسرة بخلل فسيختل هذا المجتمع، مشيرا إلى أن الواقع المعاصر أفرز جملة من الهموم والقضايا والزلازل التي يصعب على الأسرة أن تقف صامدة أمامها.

ركز الدكتور بويزيري خلال مداخلته على ثلاث نقاط تتمثل في الأسباب، الآثار، الحلول، الآليات والإمكانات التي لابد أن تصرف من أجل الحد من ظاهرة فك الرابطة الزوجية. وأشار في معرض حديثه إلى أن الأسباب كثيرة وتتنوع حسب الحالات هناك، من بينها ما يسمى في الشريعة بفقه الحالة، منها أسباب نفسية، اجتماعية، اقتصادية، ذهنية أو مرتبطة بالعرف والعادات، إلا أنه أكد أن خطر الطلاق أو التطليق أو الخلع يقع على أول الضحايا، وهم الأولاد الذين أشار إليهم جل وعلا بقوله “ولا تنسوا الفضل بينكم”.

وقال الدكتور؛ السؤال المطروح “لماذا يستغل المطلقون الأبناء فيما بينهم، ويستخدمونهم ضد بعضهم البعض”، ثم رد قائلا: “لابد ألا يستغل الأبناء وأن يتحمل الزوج المطلق كامل المسؤولية، فالمتضرر هم الأولاد الذين يتحملون آثار الطلاق الذي يظهر في ضعف الأداء والتسرب الدراسي والانحراف والمخدرات”، مشيرا إلى أن من أهم أسباب انحراف الشباب؛ الطلاق الذي يحرم الأبناء من الدفء العائلي، ليجدوا أنفسهم في نفق مظلم يتخبطون فيه وسط الأخطار التي تحدق بهم.

فيما يخص الحلول والآليات، استشهد الدكتور بويزيري بقوله تعالى [ولا تبخسوا الناس أشياءهم]، مؤكدا على دور المسجد الذي يخدم المجتمع، مشيدا بدور الكثير من الأئمة والمرشدين الذين يتصدون لقضايا الأسرة بشكل فعال في المساجد والزوايا والمدارس القرآنية، وكذا القضاة الذين يطبقون النصوص القانونية الراقية في الجزائر مع بعض النقائص.

هذا، و تطرق الدكتور إلى العديد من المواد التي تتحدث عن الصلح، منها المادة 49 بعد التعديل التي تنص على ما يلي؛ “لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح”، مثمنا هذا الأمر، مشيرا في نفس الوقت إلى أهمية مناقشة القضايا سريعا، مؤكدا أن الطلاق قد وقع من الناحية الشرعية منذ شهور وانتهت العدة، وتبقى القضية على مستوى القضاء، لتتم المراجعة بلا مهر وعقد جديدين، وهنا يقول الدكتور “نكون أمام إشكال كبير والحل من خلال المراجعة لربط جلسات الصلح بالعدة الشرعية لا بالمدة الزمنية، وهو حل قانوني، والطلاق لم يعد رجعيا وإنما بائن بينونة صغرى، ويتم بمقتضاه خطبة جديدة ومهر جديد وعقد جديد”.

أضاف الدكتور أن هناك قوانين مستنبطة من الحكم الإسلامي تعمل بها البلدان الإسلامية، كقانون لجنة الأحكام العدلية في الجزائر الذي ينص على “كل ما لم يرد النص فيه، القانون يرجع إلى الشريعة الإسلامية”، مشيرا إلى أن هذه المادة تحمل الجزائر على التكوين الفعال للقضاة في المجال الشرعي، الذين أبدوا بدورهم اجتهادا في التعامل مع هذه النصوص.

كما عرج الدكتور سعيد بويزيري على المادة 439 من القانون 08-09 المتعلق بقانون الإجراءات القانونية والإدارية، القائل بأن جلسات الصلح وجوبية، واصفا إياها بالتطور النوعي، مضيفا أن المادة 440 تنص على أن القاضي يستمع إلى كل زوج على انفراد ويجمع بينهما، ويمكن للقاضي بناء على طلب أحد الزوجين، إشارة إلى قوله تعالى [إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما]، فالقاضي يستدعي حكما من أهله وحكما من أهلها وهذا تطور نوعي في المنظومة القانونية الجزائرية.

وأضاف الدكتور أن المادة 443 من القانون نفسه تنص على أن “يعد محضر الصلح سندا تنفيذيا”، يقول “هذا القانون كبير ورائع، وما ينقصنا العمل بنظرية شيخنا مالك بن نبي الذي يخرج الجميع من التخلف”.

أضاف الدكتور أن من أسباب الطلاق أيضا؛ الفتوى الخاطئة والتطبيق السيئ للنص القرآني من قبل الأزواج، ويضرب المختص مثلا قائلا “كأية تأديب الزوجة التي تستغل خطأ، حيث يقوم الرجل بضرب زوجته ضربا مبرحا لتحول القضية إلى الجزائي”، رغم أن القانون ينص على استقلالية الذمة المالية بين الزوجين، يقول الرجل “وفقا للآية (الرجال قوامون على النساء] راتبك ضعيه في يدي”، كأن يقول لها “تفضلت عليك لتعملي”، يشرح الدكتور “هناك من يختفي وراء النص الشرعي كتابا أو سنة، فيحدث الطلاق وتهتز الأسرة، لكن إذا كان الإنسان يفهم معنى الآية [الرجال قوامون على النساء بإذن الله، فإنه سيحفظ أسرته ويرعاها، فالطلاق في الحيض والنفاس ـ مثلا ـ بدعي وصاحبه آثم، فالشريعة تربينا بالنصوص، وتطالب بمراعاة التغيرات البيولوجية للمرأة، التي تؤدي بدورها إلى تغيرات سيكولوجية يستوجب مراعاتها.

وأضاف المصلح بويزيري؛ أن المادة 434 من قانون 08-09 تنص على الآتي؛ “يعد محضر الصلح سندا تنفيذيا” هذه المادة تربط بالمادة 1004 من قانون 08-09 “يعد محضر الاتفاق سندا تنفيديا”، في القضايا العقارية والإدارية، والمادة 900 تتحدث عن الصلح مباشرة، فالجزائر بمنظومتها التشريعية وافقت على الكثير من المعاهدات الدولية المصادق عليها، خاصة طبقا للمادة 150 من دستور التعديل الجديد 150 تعادل المادة 132 قبل التعديل، والتي تنص على “المعاهدات المصادق عليها تصنع القانون”، يقول الدكتور “ما ينقصنا هو التعاون، كما قال تعالى [تعاونوا على البر والتقوى].