شقّ طريقا ثوريا من نوع آخر

مسعود زقار.. الرجل الذي حيّر فرنسا الاستعمارية

مسعود زقار.. الرجل الذي حيّر فرنسا الاستعمارية

ولد مسعود زقار بتاريخ 8 ديسمبر 1926 من عائلة ثورية فقيرة، درس المرحلة الابتدائية بالعلمة، واشتغل مع والده في مقهى ثم في بيع الحلوى، وبدل أن يواصل هذا النوع من التجارة فكر في صناعة الحلوى بدل الاكتفاء بشرائها وبيعها، وفعلا نجح في إنشاء ورشة لصناعة الحلوى كانت تعرف باسم البرلينغو، وتزامن ذلك مع نشأة حركة نضالية بمدينة العلمة بقيادة جيلاني مبارك الذي كان يرأس قسمة حزب الشعب والذي اشتهر بنضاله منذ أربعينيات القرن الماضي. وكان مسعود زقار من الشباب الذين انخرطوا في النشاط الكشفي بالعلمة والنضال السياسي وكلفه ذلك الدخول إلى السجن في سنة 1945، حيث قضى عدة أشهر ليستفيد سنة 1946 من عفو البرلمان الفرنسي. فيعود لنشاطه الإنتاجي الذي يوسعه إلى مدينة وهران واستأنف أيضا نضاله السياسي تحت مظلة حزب الشعب وبعدها حزب جبهة التحرير الوطني، وفي جوان من سنة 1956 التحق بمركز قيادة الولاية الخامسة بوجدة وتعرّف على هواري بومدين، ونشأت بين الاثنين علاقة صداقة متميزة. لتبدأ مغامرة مسعود زقار الذي اشتهر باسمه الثوري رشيد كازا، وهي التسمية التي أطلقها عليه بوصوف الذي يكلف زقار في نفس السنة بإنشاء المصلحة الخاصة بسلاح الإشارات، المكلفة بتزويد جيش التحرير الوطني بالأسلحة، والمتفجرات وأجهزة الاتصال اللاسلكي. وهي من أصعب المهام في تلك الفترة والتي بدأها رشيد كازا وتمكن بدهاء كبير من الحصول على أجهزة اتصال لاسلكي، ويقوم بعدها بجولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا وألمانيا ليوسع علاقاته بالممولين بالسلاح عبر عديد المناطق. وفي جويلية 1956 يعود إلى قائده بوصوف فيفاجئه باقتراحات جريئة تتعلق بإمكانية تدعيم الثورة بأسلحة متنوعة وأجهزة راديو، وأصبح يشكل مصدرا استخباراتيا مهما وممولا للثورة بالسلاح وأجهزة الاتصال، بما فيها الجهاز الذي استعمل في البث الإذاعي لصوت الجزائر.

وبسبب إتقانه للغة الإنجليزية، نجح زقار في تكوين علاقات مهمة كان يوظفها في خدمة الثورة الجزائرية. فكان لبنة أساسية في الاستعلام الحربي، وكان يزوّد قيادة الثورة بالمعلومات ويتصل مباشرة ببوصوف وبومدين.

علاقات زقار توسعت إلى أن نجح في إنشاء مصنع للأسلحة الذي كان يبدو ظاهريا مختصا في صناعة الملاعق والشوكات ويعمل به عمال أجانب من دولة المجر، لكن في المستودعات الخفية المكان مخصص لصنع الروكات أو ما يسمى بالبازوكا. وكان رشيد كازا يحرص على سرية مكان المصنع ولا يشغل فيه إلا المقربين من أهله، ومن أبناء مدينته العلمة أمثال جيلاني الصغير وزقار عبد الله ومنصوري خالد وزقار عبد الحميد، ومزنان علي وغيرهم.

وكان زقار يؤمن بأن أي حركة ثورية يجب أن تقوم على عاملين اثنين، أولهما المعلومات التي كان يستقيها من جهات مختلفة، وبلغ به الأمر حد التجسس على محيط ديغول، وثانيهما المال الذي تحصل عليه بتوسيع نشاطه التجاري، وتنمية ثروته التي خصصها لخدمة القضية الوطنية. وهناك عامل آخر جسده زقار بإتقان ويتعلق بسرية التنظيم.

ظل زقار يكافح ويناضل حتى نالت الجزائر سيادتها ثم شغل بعدها عدة مناصب حتى وافته المنية سنة 1987.