معاناة المشردين تتضاعف في فصل الشتاء… قوافل ليلية بالعاصمة للتكفل بالأشخاص دون مأوى

elmaouid

كثفت مصالح ولاية الجزائر خلال موسم الشتاء نشاط القوافل والدوريات الليلية التي تتكفل بجمع ونقل الأشخاص بدون مأوى نحو مراكز الإيواء لتفادي مبيتهم بالعراء في البرد القارس.

وتنطلق هذه القوافل التي تتشكل من عناصر الحماية المدنية ومديرية النشاط الاجتماعي والتضامن ومؤسسة المساعدة الاجتماعية للولاية الجزائر والأمن الوطني والصحة من مقر الولاية على الساعة العاشرة ليلا نحو النقاط السوداء التي يلجأ إليها الأشخاص بدون مأوى للمبيت، وهي تقع بكل من باب الوادي (الأقواس) وساحة الشهداء والقصبة بالقرب من المسجد الجديد وكذا على مستوى أقبية ميناء الصيد ببلدية سيدي امحمد وبمحاذاة السكة الحديدية (محطة اغا) وفي شارع حسيبة بن بوعلي بالإضافة إلى بلديات بلوزداد وحسين داي.

ويتم نقل هذه الفئات الهشة، حسب مسؤولي الولاية، سواء إلى مراكز الإيواء التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي والتضامن (مركز المسنين لدالي ابراهيم ومركز الأطفال المسعفين بالأبيار ومركز الأطفال المسعفين بالمحمدية ودار الأشخاص المسنين بباب الزوار ودار الأشخاص المسنين بسيدي موسى وديار الرحمة بدالي ابراهيم) أو إلى مراكز الإيواء التابعة لولاية الجزائر، وهي “دار الحسنة” للنساء في شدة ومركز التكفل بالأشخاص بدون مأوى على مستوى دكاكنة بنواحي الدويرة، بالإضافة إلى مركزين للتكفل بالرجال والنساء على مستوى بلدية الرغاية.

وسيتدعم هذا التشكيل المخصص للتكفل بفئة الأشخاص بدون مأوى بمركز جديد على مستوى بلدية دالي ابرهيم سيتم فتح أبوابه في الأسابيع القليلة المقبلة ويتسع لحوالي 350 شخصا، حسب ما أعلنه رئيس ديوان الوالي محمد عمراني المشرف على هذه القوافل.

ويوضح المرسوم التنفيذي الصادر في 4 ديسمبر الذي يعدل ويتمم مرسوم 2008 المتضمن إنشاء مصلحة المساعدة الاجتماعية الاستعجالية المتنقلة وتنظيمها وسيرها، مهام مصلحة المساعدة الاجتماعية الاستعجالية المتنقلة المتمثلة في التكفل بالأشخاص في وضعية هشة كبيرة والمتواجدين في الشارع، وذلك بتوجيههم نحو مراكز الإيواء ومراكز العلاج بالتنسيق مع المؤسسات المعنية وبالاتصال بالحركة الجمعوية.  

وقال منسق هذه القوافل مدير الحماية المدنية لولاية الجزائر العقيد محمد تغرستين إنه يتم في بعض الحالات نقل أزيد من 200 شخص إلى مراكز الإيواء من مختلف الشرائح العمرية وكذا مختلين عقليا ومعاقين ومدمنين على المخدرات، مؤكدا أن تجربته الميدانية بينت أن “95 بالمائة من الأشخاص دون مأوى ينحدرون من الولايات الداخلية”.

وذكر مدير مؤسسة مكتب النشاط الاجتماعي للجزائر العاصمة (المكلفة بتسيير دور الإيواء التابعة لولاية الجزائر) المسماة حاليا بمكتب التضامن الاجتماعي للولاية محمد العيشي، أن هذا المركز الجديد بدالي ابراهيم لـ “الإيواء الاستعجالي” سيخصص للأشخاص دون مأوى، وهو الوحيد على المستوى الوطني الذي يمكنه إيواء أزيد من 300 شخص دون مأوى.

واعتبرت السيدة ربيعة محمدي عضوة بالقافلة أن هؤلاء الأشخاص بدون مأوى منحدرون من ولايات داخلية هم من فئات النساء في حالة شدة (أمهات عازبات أو هاربات من أهلهن) والمسنين والمختلين عقليا والمعاقين.

 

الأغلبية الساحقة لنزلاء المراكز ينحدرون من ولايات داخلية

ولوحظ أن الأغلبية الساحقة لنزلاء مراكز الإيواء ينحدرون من ولايات داخلية ونسبة ضئيلة منهم تنحدر من العاصمة وهي فئة من الفتيات كن من نزيلات دار الأيتام بالعاصمة، وبعد بلوغهن سن الرشد خرجن من هذه الدار فوجدن أنفسهن في الشارع.

وتبين بدار الحسنة على سبيل المثال أن عددا من النزيلات منحدرات من ولايات داخلية وهن من الأمهات العازبات كن يمكثن بالشارع لعدم وجود عائلة لهن بالعاصمة واستطعن الالتحاق بهذا المركز بفضل قافلة الولاية. وحسب مديرة المركز هدى شرفي، فإن إدارة المركز تتولى الاتصال بالعائلات ومحاولة التوفيق بين الفتاة وعائلتها لإيجاد حل.

ورغم أن دار المسنين لباب الزوار تستقبل فقط الأشخاص الذين يبلغ أعمارهم ابتداء من 65 سنة ومن بينهم مسنين بدون مأوى، غير أنها تستقبل في الفترة الليلية عددا من الأشخاص من مختلف الأعمار الذين يتم نقلهم عن طريق قافلة الولاية لكي يتمكنوا من المبيت في جو دافئ. وحسب مديرة المركز سجية بورنان، فإن هذه البناية تضم مسنين بدون مأوى لجأوا إلى المركز للعيش فيه بصفة دائمة وهم منحدرون من ولايات داخلية أغلبهم غير متزوجين حتى أنهم لا يملكون أوراقا ثبوتية.

وإذا كان العديد من الأشخاص بدون مأوى يلتحقون بمراكز الإيواء خاصة في هذا الفصل البارد، إلا أن البعض الآخر يرفض المبيت بهذه الدور ويفضل اتخاذ الشارع كمأوى له وذلك بسبب ما اعتبروه “المعاملة السيئة التي يتلقونها” حسب تصريحاتهم. ويتمركز أغلبية هؤلاء الأشخاص خاصة بمحاذاة أقواس باب الوادي وساحة الشهداء وأول ماي ومحمد بلوزداد.

“لن أعود أبدا لهذا المكان وأفضل المبيت بالشارع لأن العاصميين كرماء جدا”، تقول السيدة مريم 60 سنة من بسكرة تتخذ من أقواس الكيتاني بباب الوادي منزلا لها وحينما يأتي الليل تبيت في مدخل إحدى العمارات بعدما سمح لها سكانها بذلك تحت شرط “عدم إلقاء القاذورات”. وتضيف مريم أنه في إحدى المرات بالليل تم نقلها من طرف أعوان ولاية الجزائر لكي تقضي الليلة بدار الحسنة بزغارة لكن هناك “تعرضت لمعاملة سيئة”.

أنيسة وزوجها محمد وطفلاهما عائلة أخرى اتخذت من الشارع (باب الوادي) مأوى لها، حيث أكد محمد أنه لم يقترب منه أفراد القافلة يوما لنقلهم لمراكز الإيواء حتى أنه لا يعلم بوجودها. “لقد كنت أقطن وعائلتي ببيت قصديري الذي هدم في سنة 2016 لكني لم أتحصل على سكن، فوجدت نفسي بالشارع دون مأوى وقمت بتسجيل طعن أمام الولاية وانتظر الآن الجواب”، يقول محمد.

محمد وسليم والطيب وعيسى هم أشخاص بدون مأوى يعرفون تماما التوقيت والمكان الذي تصل فيه الحافلات (قافلة الولاية) لنقلهم إلى مراكز الإيواء، حيث اعترفوا أنهم في الصباح يحترفون التسول وفي المساء يبيتون في دور الإيواء ويفضلون قضاء لياليهم بدار المسنين بباب الزوار “نظرا للمعاملة الحسنة التي يتلقونها في هذا المكان”، غير أن بعضهم يرفض الاغتسال أو تغيير ملابسهم من أجل ممارسة حرفة التسول.