من أيام تاريخنا المجيد

معركة “المقطع” التي انتصر فيها الأمير عبد القادر على الجيش الفرنسي

معركة “المقطع” التي انتصر فيها الأمير عبد القادر على الجيش الفرنسي

جرت وقائع معركة “المقطع” في 28 جوان 1835، بين جيش الأمير عبد القادر الجزائري، والجيش الفرنسي بقيادة الجنرال، ألفونس تريزل، بمنطقة معسكر غرب الجزائر.

وتعتبر “المقطع” من أهم وأشهر المعارك التي خاضها الأمير عبد القادر خلال مساره في المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر.

وعن الظروف التي سبقت المعركة، يوضح أستاذ التاريخ الجزائري، محمد بن ترار أن القطاع الوهراني كان يعرف اضطرابات بين القبائل عقب سقوطه بيد الفرنسيين واستسلام حاكم وهران الباي حسين في جانفي 1831 ومغادرته البلد، الأمر الذي أدى وفق المتحدث إلى “بروز الأمير كشخصية قيادية ودينية عقب مبايعته من قبل أعيان والعلماء وقادة القبائل في 4 فيفري 1833”.

وعمل الأمير عبد القادر على تقوية جيشه بعد أن عين حكومة لدولته الجديدة، ودفعت الانتصارات التي قادها ضد الجيش الفرنسي في مواقع عديدة بالجنرال، جون بيار دي ميشال، للتواصل معه بغرض عقد معاهدة سلم عرفت لاحقا بمعاهدة “دي ميشال”.

ويعتبر بن ترار أن تلك المعاهدة التي أبرمت سنة 1834 كانت بمثابة “استراحة محارب”، مشيرا إلى أن الأمير عبد القادر واصل حينها “توسيع نفوذه وحشد المبايعة لشخصه من طرف القبائل العربية التي كانت بحاجة إلى قيادة روحية وعسكرية تواجه الزحف الفرنسي على البلد”.

من جهته، يقول الباحث في تاريخ الجزائر، محمد بن يوب في تصريح لوسائل إعلامية إنه “يمكن اعتبار معاهدة دي ميشال مقدمة لحرب طويلة خاضها الأمير عبد القادر بعد ذلك، أو مدخل لانتصاره العظيم على الفرنسيين في معركة المقطع”.

وكان الجنرال دي ميشال قد أبرم تلك المعاهدة التي كانت بمثابة اعتراف صريح من الفرنسيين بدولة الأمير عبد القادر، بعدما حملت في طياتها بنود تبادل القناصلة، مقابل اعترافه بسلطة الفرنسيين على وهران ومستغانم وأرزيو التي تقرر أن يدخلها العرب بجواز سفر.

ويشير بن يوب إلى استياء الفرنسيين بعد ذلك من انتصارات الأمير في إقليم التيطري (المدية حاليا جنوب الجزائر العاصمة) الذي بسط نفوذه عليه، مضيفا أن “تعاظم قوة الأمير دفع بالحكومة الفرنسية إلى تعيين الجنرال تريزيل قائدا، خلفا للجنرال دي ميشيل، ونقض معاهدته”.

وحسب المتحدث، فإن الجنرال الجديد لجأ إلى حماية قادة القبائل الذين انفصلوا عن الأمير عبد القادر، وأولئك الذين يقومون بتموين الجيش الفرنسي، قبل أن يقرر السير نحو مدينة معسكر، عاصمة الأمير، بجيش يتكون من مئات الجنود مدججين بالسلاح والمدفعية.

وتقع منطقة “المقطع” بين مدينة المحمدية التابعة لولاية معسكر وسيق التابعة لنفس الولاية، وهي الجهة التي تحولت إلى أرض معركة خاضها الأمير عبد القادر ورجاله وهو لا يتجاوز 26 سنة من العمر، ويعتبرها بن ترار، “محطة غيرت من مجرى الحرب لصالح الأمير الشاب والدولة التي بناها في تلك الفترة”.

وباغت الأمير عبد القادر القوات الفرنسية وأحاط بها من كل الجوانب بواسطة الخيالة والمشاة، وحسب بن ترار فإن محاولات الجيش الفرنسي اختراق الحصار كبدتهم خسائر فادحة في الأرواح، خصوصا الجنود الذين حاولوا التسلل خارج دائرة الحصار عبر مستنقع من المياه يوجد بمنطقة المقطع.

ويعتقد المتحدث أن خسائر الفرنسيين “تجاوزت 200 قتيل، في تلك المعركة التي أدت بالحكومة الفرنسية إلى عزل الجنرال تريزيل الذي فقد عينه فيها”، إضافة إلى غنائم السلاح والمؤونة التي كانت بحوزة الجيش الفرنسي.

وعزز انتصار الأمير عبد القادر على الجيش الفرنسي سلطته في الأقاليم الغربية، ورسخ وجود دولته التي تجلت مظاهرها في الجيش والعلم والنقود، وحسب بن يوب فإن نتائج معركة المقطع “سمحت للأمير عبد القادر بمحاربة المتمردين عليه، كما كانت مقدمة لسلسلة من الانتصارات والمواقف الأخرى التي جعلت الأمير شخصية تحظى بتقدير العالم”.