من أبرز محطات الثورة التحريرية

معركة “باب البكوش”.. حين أذل المجاهدون جيش الاستعمار

معركة “باب البكوش”.. حين أذل المجاهدون جيش الاستعمار

تعتبر معركة “باب البكوش” بولاية تيسمسيلت التي وقعت في الفترة من 28 إلى 31 ماي 1958 من أبرز محطات الثورة التحريرية المجيدة بمنطقة الونشريس، بالنظر للخسائر الفادحة والكبيرة التي تكبدها الجيش الاستعماري الفرنسي.

وكانت منطقة “باب البكوش” التابعة لولاية تيسمسيلت، والكائنة وسط سلسلة جبال الونشريس أحد المواقع الإستراتيجية لجيش التحرير الوطني أثناء ثورة نوفمبر المظفرة، حيث كانت تتخذ كمنطقة عبور استراتيجي للمجاهدين لم يتمكن جيش الاحتلال الفرنسي تمشيطها أو دخولها إلا في نهاية ماي 1958. حينها كان الوضع العام يتميز بتحركات مريبة لقوات الاستعمار بالنواحي المجاورة للمنطقة ويوحي بحتمية مواجهة في حالة تمشيط، وتأكد ذلك من خلال تكثيف سلاح الطيران الفرنسي لطلعاته الجوية، رصدتها مصالح الاستعلامات لجيش التحرير الوطني بمراكز قريبة ومحيطة بالجهة.

وتجنبا لأي حصار محتمل، أصدرت قيادة جيش التحرير بالمنطقة التي كانت تتشكل من الشهيد محمد بونعامة والمجاهد سي حسان (الولاية الرابعة التاريخية) والشهيد سي طارق من الولاية الخامسة التاريخية وقائد الكتيبة “الكريمية” بالولاية الرابعة التاريخية الشهيد سي أعمر، أمرا بترك مواقع التمركز بالقرى والانتقال فورا إلى الجبال المحيطة وبالتحديد بجبل “باب البكوش”.

وفي صباح يوم 29 ماي 1958، حلقت طائرات الجيش الاستعماري ذهابا وإيابا في سماء المنطقة تحضيرا لعملية التمشيط، مما عجل باندلاع المعركة بعدما تمكن المجاهدان سرباح قدور والشادولي من زرع ألغام بسفح جبل سيدي داود بأماكن من المحتمل أن يسلكها جنود الاحتلال للتجمع، وهو ما حدث قبل بداية عملية التمشيط عندما انفجر لغم خلف مقتل 60 عسكريا فرنسيا وتدمير شاحنة.

وفي اليوم الموالي شرعت قوات الجيش الاستعماري في التغلغل نحو الجبل من جميع جوانبه دون علم بمواقع تمركز المجاهدين الذين جابهوا الجنود الفرنسيين بنيران كثيفة، مما اضطرهم للاستعانة بالطيران الذي قام بإلقاء عشوائيا مئات الأطنان من القنابل المحظورة دوليا.

وذكر المصدر أن مدفعية الجيش الاستعماري قامت بقصف شديد لمختلف نواحي جبل “باب البكوش” وقامت الطائرات العمودية بعملية إنزال المظليين بالمرتفعات وفي اتجاه مواقع أفراد جيش التحرير الوطني الذين توزعوا على مجموعات صغيرة بعد أن اضطرهم القصف الجوي والمدفعي إلى ترك مواقعهم، ودار القتال بصورة متقطعة قبل أن يتوقف بحلول الليل.

وفي الصباح الباكر من اليوم الموالي، استؤنف القتال من جديد بين الطرفين بصورة أشد ليتمكن المجاهدون في حدود الساعة العاشرة صباحا من إسقاط طائرتين إحداهما طائرة نفاثة، مما اضطر سلاح الطيران الفرنسي إلى توقيف طلعاته الجوية ليجد العساكر الفرنسيون أنفسهم وجها لوجه مع جنود جيش التحرير في قتال متلاحم.

وبغية فك الحصار عن ناحية “باب البكوش”، قامت الكتيبة “الحميدية” بقيادة المجاهد سليمان الغول بشن هجومات ضد مراكز قوات جيش الاحتلال المنتشرة بمناطق برج بونعامة و”عين بعلاش” وسيدي عابد ولرجام يوم 31 ماي 1958.

ومكنت عزيمة المجاهدين وشجاعتهم من دحر قوات الجيش الاستعماري الفرنسي التي اضطرت لمغادرة المنطقة والعودة إلى معسكراتها متكبدة خسائر كبيرة بلغت 600 قتيل من بينهم 33 ضابطا إضافة إلى إسقاط طائرتين من نوع “جاغوار”.

وسقط في ميدان الشرف من جانب جيش التحرير الوطني 360 شهيدا من الفصائل المتواجدة بمنطقة باب البكوش على رأسهم قائد الكتيبة “الكريمية” الشهيد سي أعمر واستشهد 240 من المدنيين أغلبهم من الشيوخ والأطفال والنساء.