حقق المجاهدون خلال شهر ديسمبر 1957 إحدى أهم انتصاراتهم ضد جيش الاستعمار الفرنسي في معركة تيزي نتسنانت بتيزي وزو، التي كتبوا خلالها بأحرف من ذهب، صفحة مشرقة من تاريخ الثورة الجزائرية.
وقد جسدت هذه المعركة مدى التزام وعزيمة رجال الثورة من الذين اختاروا المقاومة في الجبال طريقا لتحرير الوطن.
وفي هذا السياق، روى المجاهد محمد زحزوح الذي كان ضابطا سابقا في جيش التحرير الوطني وأحد المشاركين في هذه المعركة، والذي التحق بالثورة في ماي 1956 وكان من أوائل المجاهدين الذين أنشأوا كتيبة جرجرة.
وروى هذا المجاهد تفاصيل هذه المعركة الخالدة، مشيرا إلى أنها اندلعت بتيزي نتسنانت، وهي هضبة صخرية متواجدة على علو حوالي 1900 م، بأمر من قائد الولاية التاريخية الثالثة، العقيد عميروش آيت حمودة.
وكانت العملية تهدف إلى تحرير جزائريين معتقلين لدى جيش الاستعمار محكوم عليهم بالأشغال الشاقة، تتمثل في فتح الطرقات بمنطقة تيكجدة، وذلك من خلال تكليف وحدة من جيش التحرير بنصب كمين للحراس الفرنسيين.
وقال في هذا الصدد: “وصلنا بالقرب من آث أرقان في 3 ديسمبر1957 وأمضينا ثلاثة أيام بآث حقون لتحضير العملية، وكان لدينا أمر بالتوجه إلى تيكجدة لإنقاذ المعتقلين، غير أن الوحدة اختارت الانتقال نحو منحدرات أسفيس، لكون المنطقة أكثر ملاءمة لعملية من هذا النوع”.
وتابع الضابط السابق في جيش التحرير أنه “في حوالي الساعة الثالثة من صباح يوم 7 ديسمبر، وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الوحدة في طريقها الى تيكجدة، تم رصد جنود فرنسيين، ما أدى إلى اندلاع أول اشتباك لتأمين انسحاب رفقائنا قبل انسحاب العدو”.
وفي حوالي الثالثة والنصف من ظهيرة نفس اليوم، تدخل الطيران الفرنسي بقوة لإنزال التعزيزات، فيما شرعت الطائرات في قصف منطقة تيزي نتسنانت، وفقا لشهادة هذا المجاهد الذي أضاف أن قصف المكان كان تمهيدا لهبوط طائرات النقل من نوع “بنان” (الموزة)، لكن وحدات المجاهدين التي كانت تطوق المكان بإحكام فتحت النار على عمليات إنزال الجنود بالمظلات وحينها أصيب الجنود الفرنسيون بالذعر، لا سيما بعد رؤية رفاقهم يسقطون تحت نيران المجاهدين الذين نجحوا أيضا في إسقاط طائرة معادية.
وقد كللت هذه المعركة بانتصار مدوٍ تسبب في خسائر فادحة للعدو الفرنسي الذي تكبد مقتل 12 جنديا، إلى جانب إسقاط طائرة استطلاعية كانت تحلق فوق المنطقة لتوجيه العمليات الفرنسية، أطلق المجاهدون عليها اسم “تاموشارت”، وذلك بالقرب من قمة إيسيغ إيسيغ، على ارتفاع يفوق 2000 متر، وفق المجاهد زحزوح الذي أكد أن إسقاط هذه الطائرة كان له وقع مدمر على معنويات القوات الفرنسية وأبرز كفاءة ودقة أفراد جيش التحرير الوطني في مواجهة التفوق الجوي للعدو.
كما أسفرت نفس العملية أيضا عن استعادة المجاهدين لأربع رشاشات من نوع “مات 49” وذخيرة وبندقية، إضافة إلى زي عسكري وأحذية.
وبالمقابل، يتذكر محمد زحزوح سقوط قائد فصيلة من المجاهدين في ميدان الشرف، وهو الرقيب أحمد الحسين، بسبب إصابة قاتلة دفن على إثرها بالقرب من بحيرة “أقولميم” بالنظر لصعوبة إجلائه من الموقع المتميز بتضاريسه الوعرة.