-
استعمل فيها السلاح الأبيض والقوة العضلية
مرت 67 سنة على وقوع معركة فوغالة، وهي المعركة التي أسالت الكثير من الدم والحبر، فقد واجه جيش التحرير في هذه المعركة، الآلة العسكرية الفرنسية المدمرة بأبسط ما كان في حوزته فلم يكن فيها ميزان القوة متكافئا أبدا.
وجرت وقائع معركة فوغالة الخالدة، في نواحي جبل وستيلي بباتنة بتاريخ الأحد 23 فيفري 1958 بداية من الساعة السادسة صباحا، وهي المعركة التي قال عنها أحد الجنود الفرنسيين المشاركين “إن يوم 23 فيفري هو الأكثر دموية في تاريخ الوحدة 18 للقناصة المظليين، وأن من لم يعش أطوار المعركة ويعتقد أن “الفلاقة” لا يحاربون بجدية إما وصلته أخبار خاطئة او أنه لم يشارك ابدا في اشتباك عسكري”.
إسمين لمعركة واحدة
سميت معركة فوغالة بهذا الإسم نسبة إلى المنطقة التي وقعت فيها وهي فوغالة نسبة إلى عين بها تسمى عين فوغالة بجبل وستيلي، أما موقع المعركة بالتدقيق والمعروف عند أهل المنطقة فهو “تيورقة”، الواقع بين بلديتي الأرباع وبني فضالة على بعد حوالي 25 كم جنوب مدينة باتنة. أما الفرنسيون، فيسمونها “معركة راس قدلان” La bataille de Ras Gueddelane نسبة لإحدى القمم الجبلية بجبل وستيلي، التي وقعت بقربها المعركة. وتعرف هذه القمة عند الأهالي باسم اقدلالن، وهي كلمة شاوية تعني اشجار الأرز.
أجواء ما قبل المعركة
قبل يومين من تاريخ المعركة، وفي جبل حيدوسة التقت الكتيبة الثالثة للناحية الأولى للولاية الأولى التاريخية، التي يقودها الملازم الأول أحمد امرزوقن المدعو سي احمد الجدارمي، بدورية قادمة من تونس ومحملة بالأسلحة يقودها الطيب برتلة المدعو “عمي الطيب ( امغار الاوراس )”. كانت الكتيبتان تعتزمان التوجه إلى جبل وستيلي للقاء قائد المنطقة المجاهد محمد الطاهر عبيدي المدعو الحاج لخضر، لتسليمه الأسلحة الجديدة لتوزيعها على مختلف نواحي المنطقة. وفي شهادات سابقة لمجاهدين، منهم المجاهد محمد خزار المدعو “مختار” صاحب مركز لجيش التحرير الواقع بمشتة عمارة غير بعيد عن شعبة اولاد شليح، وكذا المجاهد زيداني خياري المدعو “الخير”، اكتشف العدو الدورية وتتبع اثارها انطلاقا من آثار السير على الطين أين تبدو واضحة لكون الجو كان شتاء وممطرا. ففي شهادته على معركة فوغالة/ قال العقيد “الحاج لخضر” الذي كان قائدا للمنطقة الأولى التي جرت على إقليمها المعركة، ونفس الكلام يؤكده المجاهد المرحوم الهادي مسعودان، أحد المشاركين فيها : “إن هذه المعركة لم يكن مخططا لها، ذلك ان عناصر جيش التحرير الذين كانوا في تنقل إلى وستيلي لاستلام الأسلحة القادمة من تونس، فوجئوا بمحاصرة الجيش الفرنسي لهم في مكان صعب التضاريس فما كان عليهم إلا المجابهة والتصدي”.
معركة مفاجئة

استيقظ في الصباح الباكر من يوم 23 فيفري 1958 مجاهدو الكتيبة الثالثة ومجاهدو الدورية القادمة من تونس، على انذارات وتحذيرات الحراس المجاهدين المنصبين في عدة أمكنة والذين تفطنوا لقدوم قوات عسكرية صوب المكان الذي اتخذه المجاهدون لقضاء الليلة. فتحمل قائد الكتيبة الثالثة الشهيد الملازم الأول سي احمد امرزوقن، وهو الأعلى رتبة ضمن الحاضرين، مسؤولياته رفقة مساعديه وليدخل في مواجهة مباشرة مع قوات العدو، وبفضل حنكته وتجربته العسكرية وتوفره على قناصين معروفين من أمثال عيسى جاب الله المدعو “عيسى صحة صحة”، وخبرة مساعديه منهم نائبه مصطفى عيساوي المدعو تباني (شهيد وهو من مجاهدي ليلة أول نوفمبر) وعيسى مقلاتي والطيب برتلة (شهيدا فيما بعد وكان قناصا ماهرا بشهادة من عاشروه) فقد استطاع أن يضبط بسرعة كيفيات المجابهة والتصدي. لقد تدخل الجيش الفرنسي في بداية المعركة بعدة كتائب فقط من المجموعة الثامنة عشر للقناصين المظليين المدعمة بتحليق للطائرات، المعروفة بقوتها بتجربتها الحربية، حيث سبق لها وأن نكلت بسكان الأوراس في نواحي مختلفة واشتبكت مع المجاهدين في العديد من المناطق كالبليدة والجزائر وسوق اهراس وقالمة، والميلية وتبسة.
الجيش الفرنسي يتفاجأ ببسالة المجاهدين

تفاجأ جيش الاحتلال الفرنسي بشجاعة المجاهدين برجال يحسنون فنون الحرب والقتال باعتراف الفرنسيين أنفسهم وتيقنوا أنهم في مواجهة رجال حرب ومقاومين لا يهابون الموت، فاستنجدت هذه الفرق بالقوات المجاورة لتتدعم بفرق أخرى جاءت من جميع الجهات، في اتجاه تمركز المجاهدين وطوقت المكان وغلقت كل المنافذ.
قرارات سديدة لإدارة المعركة
أمرت قيادة المعركة بحفر الخنادق وعدم اطلاق الرصاص إلا باقتراب العدو منهم ومحاولة اختراقهم، وهي استراتيجية يطبقها جيش التحرير الوطني للتمكن من إلحاق اقصى الاضرار والخسائر بالعدو. وبالفعل لم تتمكن الطائرات من قنبلة المكان، كما لم تتمكن حاملات القذائف من رمي قذائفها خوفا من اصابة الجنود الفرنسيين الذين دخلوا مع المجاهدين في اشتباك مباشر، وصل إلى حد استعمال السلاح الأبيض واستخدام القوة العضلية والجسدية. وتواصلت المعركة بضراوة لم تعرف سكوت الأسلحة والرصاص إلى غاية حلول الظلام، أين قرر المجاهدون الانسحاب من ساحة المعركة غير المتكافئة، بعد أن ألحقوا خسائر بالعدو، فتمكنوا من فتح ثغرة في الحصار المضروب حولهم وانسحبوا الى ناحية لرباع.
القوات المشاركة في المعركة

أما عن القوات المشاركة في معركة فوغالة، فأكد المجاهد المرحوم مسعود بن عمارة (مسؤول فوج في الكتيبة الثالثة ) في شهادته حول هذه المعركة، أن عدد المجاهدين هو 170 مجاهد من أفراد الكتيبة الثالثة والدورية القادمة من تونس، وكانوا مسلحين بأسلحة أوتوماتيكية فردية، وبحمولة من الأسلحة الحديثة القادمة من تونس. أما القوات الفرنسية وحسب التقرير الذي حرره قائد المعركة فقد شاركت بالقوات التالية:
ــــ المجموعة الـ18 للقناصة المضليين بثلاثة كتائب وفرقة للمدفعية 120 مم .
ــــ المجموعة الــ 7 للقناصة بثلاثة كتائب من الفيلق الأول وأربعة كتائب من الفيلق الثالث .
ــــ المجموعة الـــ 22 للقناصة بفيلق كامل .
ــــ المجموعة الأولى للمدفعية الاستعمارية للمغرب 1° R.A.C.M بفرق بطارية المشاة وفرق بطارية المدفعية 105 مم .
ــــ للمجموعة التاسعة للقناصة الافارقة بالكتيبة المدرعة ومجموعة من الدبابات .
ــــ المجموعة الثامنة للفرسان بكتيبة من الفيلق الثالث .
ــــ المجموعة المتحركة للشرطة الريفيةGMPR التابعة لدوار شعبة اولاد شليح .
ــــ المجموعة الـ19 للهندسة العسكرية بفصيلة وجرافة من الفيلق الثالث .
ــــ كوموندو قطاع باتنة .
ــــ سرب من الطائرات يتكون من ستة طائرات بنانBananes و4 طائرات كورسار Corsaires و4 طائرات من نوT6، وطائرة من نوع بروسار Broussard. وكان قائد المعركة من الجانب الفرنسي هو العقيد رفان Raffin قائد المجموعة السابعة للقناصة بصفته الأعلى رتبة، وتتشكل القيادة الحاضرة للمجموعة الـ18 من المقدم دافيد سارازان ونوابه بالإضافة الى العشرات من الضباط قادة الكتائب والفصائل، حيث يقدر العدد الإجمالي لقوات العدو المشاركة ما بين 2500 الى 3000 عسكري.
العدو يعترف بخسائره الكبيرة

اعترف العدو الفرنسي، بسقوط 22 عسكريا فرنسيا من بينهم ضابطين و40 جريح توفي العديد منهم.
أحداث ما بعد المعركة
وفي اليوم الموالي للمعركة، قام أهالي المنطقة بدفن الشهداء في مكان قريب من مكان المعركة، بينما قام الجيش الفرنسي بنقل جثمان الشهيد سي احمد الجدارمي فوق شاحنة عسكرية لاستعرضه أمام مواطني مدينة سريانة، لترهيبهم، كرسالة لهم بأنه هكذا يكون مصير كل من تسول له نفسه الالتحاق بالمجاهدين.
أسماء شهداء معركة فوغالة
تم إحصاء بعض شهداء معركة فوغالة، حيث دونت أسمائهم في التقرير الجهوي لكتابة تاريخ الثورة في منطقة الأوراس، ومن بين الأسماء المدونة نذكر: أحمد امرزوقن ، مصطفى عيساوي المدعو تباني، فتح الله مسعود، عيسى مقلاتي، شتيرات أحمد، شودار عبد السلام، بوحريق حمو، قطو من لقصر، العايب منصور، سي محمد الجزائري، عيسى الزياني، هبول علي، حمو قريشي، بن طاية لحسن، حمزي لحسن ، حميش عمر، جابو سعو، وقرقوب الزياني. وقد تم أسر الشهيد الطيب برتلة، ليقتل بطريقة جبانة برصاصات في الظهر من طرف الجيش الفرنسي في معركة الرفاعة في 8 سبتمبر 1958.
ما كتب عن المعركة
الجانب الجزائري
لم ترد كتابات كثيرة عن المعركة في الجانب الجزائري باستثناء ما ورد عنها في كتاب التقرير العسكري والسياسي الذي أعدته المنظمة الولائية للمجاهدين، خلال ملتقى كتابة تاريخ الثورة بولاية الاوراس سنة 1984. كما كتب عنها الرائد عمار ملاح في كتابه قادة جيش التحرير الوطني الجزء السابع بضعة أسطر منقولة عن التقرير السياسي والعسكري لمنظمة المجاهدين المذكور.
فيما خصص لها التلفزيون الجزائري شريطا وثائقيا لمدة 40 دقيقة يحتوي على مشاهد تمثيلية لظروف ووقائع المعركة قام بأداء أدوارها مجاهدون.
الجانب الفرنسي
أما من الجانب الفرنسي فقد تناول أكثر من عشرين كتاب فرنسي وعدة مجلات فرنسية، كتبت عن معركة فوغالة، حيث تتفق كل هذه الكتب التي يستند مؤلفوها على شهادات عسكريين فرنسيين شاركوا في المعركة، على وصفها بانها من أعتي معارك حرب الجزائر وأكثرها ضراوة وشدة أين تكبدوا خسائر بشرية فادحة. ومن بين العبارات التي وردت في هذه الكتب قول أحدهم: “إن أزيج الأسلحة وارتطامها بالصخور وما تسببه من أصوات شيء لا يصد”. أما بالنسبة للصحافة المكتوبة فقد عنونت كل من: صحيفة “لوموند”، صحيفة “ليبراسيون”، “لوفيقارو”، صحيفة البرقية، جريدة البلد، صحيفة مساء فرنسا، بالإضافة إلى كل الصحف الصادرة بالجزائر في ذلك اليوم ، صفحاتها الأولى لهذه المعركة، ولنتائجها بالبنط العريض.
ق.م