خلدها جيش التحرير بوادي سوف

معركة هود شيكة.. جسدت صمود المجاهدين في وجه آليات المستعمر

معركة هود شيكة.. جسدت صمود المجاهدين في وجه آليات المستعمر

تعد معركة هود شيكة من أهم الملاحم الفاصلة التي خاضها المجاهدون في بدايات الثورة المجيدة، وقد دامت ثلاثة أيام، صمد خلالها المجاهدون الذين لم يزدْ عددهم عن (34 مجاهدا) في وجه القوات الفرنسية الضخمة والطائرات التي استخدمت في هذه المعركة، التي عُرفت بــ (معركة هود شِيكَة) بوادي سوف، ورغم طبيعة هذه المنطقة الصحراوية القاحلة والشهيرة بكثبانها الرملية الوعرة، إلا أن هذه العوامل لم تثن مجاهدينا عن مواصلة المهمة التي كُلفوا بها.

وهو ما أثبته المجاهدون في هذه المعركة التي بدأت في فجر يوم 08 أوت 1955 حين قدمت وحدة فرنسية تتكون من عدة عربات متجهة نحو مكمنهم، فنصب لها المجاهدون كمينا في تلك الناحية الصحراوية الوعرة، حيث استطاعوا القضاء عليها، باستثناء بعض السائقين الذين تمكنوا من الفرار، وبمقابل ذلك لم يفقد المجاهدون واحدا منهم.

بعدها قاموا بجمع غنائم العدو المتمثلة في عدد من قطع الأسلحة والذخيرة، وفي الأثناء لَمَحُوا وجود وحدة عسكرية أخرى من مشاة الجنود الفرنسيين آتية من جهة الغرب، فأمر القائد حمه لخضر جنوده ألا يطلقوا عليهم الرصاص وأن يتحصّنوا بغوطين (بستانين من النخيل) بين الشمال والجنوب ليكون الغزاة بين فكي كماشة ضمن كمين محكم، وما أن وصلوا المكان حتى باغتهم المجاهدون بوابل من الرصاص فأردوا أحد الجنود الفرنسيين قتيلا، ممَا حدا بهم إلى اللجوء إلى صَابَاط قديم (وهو مكان يُخصص لجمع وحفظ التمور ومختلف الغلات) يقع بين الغوطين سالفي الذكر، عقب ذلك قام قائد المجموعة الفرنسية ــ وكان برتبة رقيب ــ بنصب قطعته الحربية من نوع (مات 24) وأطلق النار بشكل عشوائي على المجاهدين، فأصاب واحدا منهم بجروح، وهنا سدد الشهيد حمّه لخضر سلاحه نحو هذا الرقيب فأرداه قتيلا.

بعد مصرع قائد المجموعة استسلم بقية الجنود للمجاهدين، وقد تم القضاء عليهم بعد ذلك بغوط مجاور حتى لا يرهقوا كاهل المجاهدين ويعيقوا حركتهم وسيرهم، باستثناء واحد منهم تمكن من الفرار وأبلغ قيادته بالوادي بهذه المذبحة.

وفي غمرة احتفال المجاهدين بهذا الانتصار كان العدو قد جهز ثلاث مجموعات عسكرية ضخمة، ولما علم المجاهدون بقدومها تحصنوا بغوط (هود شيكة) لكثافة نخيله وصعوبة ولوج كثبانه الرملية. وفي الأثناء كانت القوات الفرنسية تتأهب لاقتحامه والتحصّن به، لكن محاولاتها باءت بالفشل بعد احتلال الغوط من قبل المجاهدين الذين كمنوا بداخله ــ ويعرف باسم (شيكة) نسبة إلى مستوطن إيطالي كان يملك هذا البستان من النخيل ــ لذلك عمدت القوات الفرنسية إلى محاصرة هذا الغوط من جميع الاتجاهات عدا جهة الشمال، ففاجأها المجاهدون بوابل من الرصاص بفضل الأسلحة الحديثة وذخيرتها الحية التي غنموها عقب المعركتين الأولى والثانية بهود شيكة.

وأثناء حصار المجاهدين من قبل القوات المعتدية، ولحاجتهم الماسة إلى الماء فقد كلف قائد المعركة مجموعة بحفر بئر داخل هذا الهود وتزويد المجاهدين المحاصرين بالماء وإسعاف الجرحى.

ونتيجة لعدم قدرة الجيش الفرنسي على اقتحام الغوط وفشله في إنهاء المعركة بالقضاء على المجاهدين الذين كانوا يقاومون ببسالة متناهية وشجاعة نادرة، فقد اضطر العدو إلى الاستنجاد بالطائرات التي وصلت في الحال وشرعت في قصف الغوط وقنبلة المجاهدين بنيرانها الحارقة في ذلك اليوم المشهود الذي عرفت فيه درجة الحرارة أعلى قياساتها، واشتد القتال بين الطرفين طيلة اليوم الثالث من المعركة.

وبالرغم من قلة إمكانات هذه الفئة القليلة والمؤمنة بعدالة قضية شعبها وتصدّيها للترسانة العسكرية لقوات العدو ونفاد ذخيرة أفرادها، إلا أنهم تمكنوا من القضاء على المئات من المعتدين طيلة أيام المعركة وجرح الكثير منهم.

ولما جَنّ الليل قَسّم القائد الشهيد حمه لخضر جنوده إلى فرقتين وأمرهم بالانسحاب عبر الجهة الشمالية التي لم يحتلها الفرنسيون، مع حملهم الجرحى، إلا أن العدو الذي مازال رابضاً بتخوم ذلك الهود كان لهم بالمرصاد، حيث لاحقتهم طائراته دون الجيش مما أدى إلى نشوب معركة أخرى غير متكافئة، حيث كان من بقي من مجاهدينا متعبين وهم يتداولون على حمل إخوانهم الجرحى، ضف إلى ذلك نفاد ذخيرتهم وزادهم ومائهم.. حيث قامت هذه الطائرات بملاحقتهم وقصفهم بعشوائية وهيستيريا مفرطة، فلحق الكثير منهم بربهم شهداء وكان على رأسهم قائد المعركة الشهيد حمه لخضر الذي عُثر عليه شهيداً بتاريخ 10 أوت 1955.