بعد تغير مفهوم الأسرة لدى الكثيرين

مكانة الأب في الأسرة الجزائرية.. بين الأصل وما أوجدته المتغيرات

مكانة الأب في الأسرة الجزائرية.. بين الأصل وما أوجدته المتغيرات

أصبح عيش النساء بعيدا عن أزواجهن أمرا غير نادر الحدوث، سواء لغياب الأب عن الأسرة فعليا أو تغييبه لنفسه مع حضوره الدائم بالبيت.

تغيّر مفهوم الأسرة ومكانتها السامية في بناء المجتمع، فلم تعد أمرا يستدعي التضحية من أجله، بل لم تعد أساسا فكرة تكوين أسرة تستهوي شباب اليوم، كما دفع غياب روح المسؤولية عنهم إلى التنازل عنها وتفضيلهم ترك المسؤولية وعبئها إلى المرأة.

وكما لا يمكن لأحد أن يشرع في بناء منزل أو أيا كان شكل البناء دون أن يضع له أساسا متينا يقوم عليه ويستند إليه، وهو الأمر ذاته بالنسبة للأسرة التي يعد وجود الأب فيها أمرا ضروريا لما له من دور اقتصادي يقوم على الإعالة وتوفير ضروريات الحياة، إضافة إلى الدور المعنوي الذي يلعبه والمتمثل في الحنان والشعور بالأمان وكذا وجوده كـ “سلطة ضبط” من شأنه أن يكون حافظا للنظام فيه.

 

عندما يكون غياب الأب أحسن من حضوره

لا يمكن لأحد نكران الدور الذي يلعبه وجود الأب في الأسرة، غير أن لغيابه عنها سواء كان بسبب طلاق الأبوين أو انفصالهما أو تنصل الزوج من مهامه تجاه عائلته، نتائج سلبية على الأسرة والأبناء وكذا الزوجة، وهو الأمر الذي حدثتنا عنه السيدة “وردية”، عاملة، متزوجة وأم لثلاثة أبناء، أكدت بأن زوجها ما يزال يعيش معها إلا أن وجوده مثل عدمه، فهو لا يقوم بأي دور يجب على الأب القيام به، فهو لا يقوم بإعالة عائلته ويصرف كل راتبه على الملابس والسجائر ويترك أمور المنزل لها، وأضافت محدثتنا أن زوجها لا يمثل أبا بتاتا وأنه لا يصلح لأن يكون لأنه لا يعير أولاده وعائلته أية أهمية، والأكبر من هذا كله هو تعرضها للضرب من قبله أمام أعين أبنائها، وهو ما جعلهم لا يطيقونه ولا يعيرونه أي اهتمام وكأنه ليس والدهم.

 

هروب من المسؤولية واستقالة من الأبوة

وإن كانت الأبوة أمرا يحلم الكثيرون به، فإنه وعلى النقيض يوجد من فضّل الاستقالة من منصبه وترك هذا الدور للمرأة، وهنا اعتبرت السيدة “حورية” أنها تربي ولديها منذ أن تطلقت من زوجها ورفضت الزواج مرة أخرى لكي لا تأتي بزوج أم لأبنائها، وقالت “حورية” التي تعمل كصانعة حلويات في منزلها إن مسؤولية الأبناء ونفقتهم ومصروفهم تتولاها من صناعتها للحلويات وأنها رغم جهودها من أجل توفير كل شيء لأبنائها إلا أن غياب الأب عن البيت يجعلهما دائمي السؤال عنه، خصوصا وأنهما صغيران وأضافت أنها لا تعرف ما تقول لهما وهما صغيران في السن ولا تجد من أجوبة لسبب غياب أبيهما عن البيت واختلافهما عن باقي العائلات وكيف لا يقوم أبوهما باصطحابهما، غير أنها أكدت أنها تحاول قدر الإمكان أن تبسّط لهما اختلاف عائلاتهما عن باقي أصدقائهما في المدرسة .

“سؤالي عن غياب أبي أوقعني في تساؤلات عديدة وكاد أن يعقدني”، هو شاب جامعي، تطلّق والداه وهو في سن صغيرة جدا، لم تسمح له بتذكر ملامح والده، لم تتزوج أمه بعد تجربتها وذهبت به إلى منزل عائلتها، قال لنا “أمين” أنه كان كثيرا ما يسأل والدته عن سبب غياب أبيه وعن اختلافه عن باقي أصدقائه وكيف أنه لا يجد ما يجيب أساتذته عند سؤاله عن عمل والده أو حضوره إلى مجلس الأساتذة، وهكذا روى لنا “أمين” أنه كان يعجز عن نطق اسم والده أو الحديث عنه لأنه لم يمثل شيئا بالنسبة له خصوصا وأن أمه تحملت أعباء تربيته ولم يكن والده يكلف نفسه حتى عناء السؤال عنه، وهو الأمر الذي كاد يشكل له عقدة لولا تدخل والدته التي كانت شديدة الحرص على أن يحس ابنها بأنه مثل باقي الأولاد أو أحسن منهم من خلال ما توفره له من حنان وتربية وحتى كل ما يحتاجه.

 

حضور الأب ضروري ولكن غيابه لا يجب أن يشكل حجر عثرة للأبناء

ويرى الدكتور “حليم. ف” اختصاصي في الطب النفسي، أن تواجد الأب في الأسرة أمر ضروري، كونه يخلق توازنا في التربية التي يتقاسمها مع الأم، فلا أحد يمكنه إنكار الدور المهم للأب سواء المادي أو المعنوي، وكثيرا ما نجد عائلات وأبناء تربوا في ظروف يكون فيها الوالد غائبا، فحالات الطلاق وانفصال الوالدين أو عدم قيام الوالد بدوره يجعل خصوصا الذكور يتجهون نحو الانحراف مثلا كطريقة للتنفيس عن غضبهم المتمثل في حنقهم على غياب والدهم وهم بذلك يعتقدون بأنهم ينتقمون منه، وهنا لا يمكننا التعميم، إذ نجد حالات عديدة كان فيها عمود البيت غائبا إلا أنه لم يشكل عقدة أو مشكلة.

ق. م