ممَّا لا شك فيه ولا ريب: أنَّ من الواجب على عموم المسلمين لهو إظهار الفرح والسرور بقدوم مواسم الطاعات، كالصيام والحج وسائر العبادات؛ امتثالًا لقوله تعالى: ” قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ” يونس: 58. وقوله: ” هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ “؛ أي: من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة، قاله ابن أبي حاتم: في تفسير هذه الآية. وقال العلامة ابن باز رحمه الله كما في “مجموع فتاواه ومقالاته”: ولا أعلم شيئًا مُعينًا لاستقبال رمضان، سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور، والاغتباط وشكر الله أن بلَّغه رمضان، ووفقه، فجعله من الأحياء، الذين يتنافسون في صالح العمل، فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة من الله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يُبشر أصحابه بقدوم رمضان مبينًا فضائله، وما أعد الله فيه للصائمين، والقائمين من الثواب العظيم.
وكان المسلمون يستقبلون شهر رمضان بفائق العناية، ويولونه أشد الاهتمام، ويستعدُّون لِـمَقدمِه فرحًا بقدومه، واستبشارًا بفضله، وذلك لِمَا يعلمون من فضل رمضان وسعة فضل الله عليهم فيه، وما ينزله تعالى على عباده من الرحمات، ويُفيضه عليهم من النفحات ويُوسِّع عليهم من الأرزاق والخيرات، ويجنبهم فيه من الزلات. حيث يَفتح لهم أبواب الجنان، ويُغل صلى الله عليه وسلم عنهم أبواب النيران، ويُصفِّد فيه مردة الجان، فهو للأمة ربيعها، وللعبادات موسمها، وللخيرات سوقها، فلا شهر أفضل للمؤمن منه، ولا عمل يَفضُل عمَّا فيه، فإن السَّلف رحمهم الله كان له شؤون منهم، ونحن لنا شؤون فيه، وشؤونه من سلفنا الصالح كثيرة، منها: تفرُّغهم لأنواع العبادات، من صلاة وصيام وقراءة قرآن، ودعاء وبذل مال، وصلة أرحام، وغيرها من الطاعات، التي يَغتنِمُها المسلمُ في شهرٍ تُضَاعَفُ فيه الحسنات. وأمَّا شُؤوننا منه، فهو تعدُّد وتمعدُد وتنويعٌ، لرغبات البطن والسمع والبصر وغيرها، إلا من رحم الله، فاللهم اعف عنا، وارحمنا يا رب العالمين.
الأستاذ فواز بن علي



