أنوار من جامع الجزائر

منزلة المحبة في الله – الجزء الأخير-

منزلة المحبة في الله – الجزء الأخير-

أيها المسلمون، إذا كانت المحبة في الله منزلة عالية، وفضيلة جليلة، فإن لها أسبابا تعين على تحصيلها وتثبيتها؛ فمن أعظمها: المعاشرة الحسنة، والصبر على الأذى، ومقابلة السيئة بالحسنة، وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك بقوله: “وَلَا تَسْتَوِے اِ۬لْحَسَنَةُ وَلَا اَ۬لسَّيِّئَةُۖ اُ۪دْفَعْ بِالتِے هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا اَ۬لذِے بَيْنَكَ وَبَيْنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞۖ ” سورة فصلت: 33.

ومن أسباب المحبة كذلك: إفشاء السلام بين المسلمين، فقد قال النبي ﷺ: “أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” رواه مسلم. ومن أسبابها أيضا: التهادي بين المؤمنين، فقد صح عن النبي ﷺ قوله: “تهادوا تحابوا” رواه مالك. ومما يزيد القلوب صفاء: الزهد في الدنيا، وفيما في أيدي الناس؛ كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي ﷺ: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: “ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس” رواه ابن ماجه. ومن أعظم ما يوجب التباغض ويفسد المودة: الوقوع في المعاصي والذنوب، فإنها سبب للحرمان، وقد عاقب الله النصارى على معاصيهم وكفرهم فقال: “وَمِنَ اَ۬لذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰر۪يٰٓ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاٗ مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ اُ۬لْعَدَٰوَةَ وَالْبَغْضَآءَ ا۪لَيٰ يَوْمِ اِ۬لْقِيَٰمَةِۖ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اُ۬للَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَۖ ” سورة المائدة: 15. ولهذا قال النبي ﷺ: “ما تَوَاد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما” رواه البخاري في الأدب المفرد. أيها الإخوة المؤمنون، إن المحبة في الله مفتاح التقوى وسر الفلاح، فتمسكوا بأسبابها، واجتنبوا أسباب البغضاء والفرقة، واعملوا على صيانة قلوبكم وصفاء علاقاتكم، لتنالوا رضى الله وتسعدوا في الدنيا والآخرة. اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور. اللهم طهر قلوبنا من الحقد والحسد، واملأها إيمانا ويقينا، ومودة ورحمة. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد العالمين. هذا وصلوا وسلموا على خير المحبين وسيد المرسلين، فقد أمركم الله بذلك فقال: “اِنَّ اَ۬للَّهَ وَمَلَٰٓئِكَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَي اَ۬لنَّبِےٓءِۖ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماًۖ ” سورة الأحزاب: 56.

 

الجزء الأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر