بني حواء.. رائعة من روائع الخالق عز وجل، وهي عبارة عن كنز يخفي وراءه الكثير من أسرار الطبيعة العذراء، حيث يشكل لوحة طبيعية تتمازج فيه زرقة البحر باخضرار الغابات وفسيفساء التاريخ، وتتنوع فيه شواطئ الرمال بالشواطئ الحصوية الصغيرة والصخور الكلسية النادرة الوجود.
وما زاد منطقة بني حواء جمالًا وسحرا هو وجود وتمازج الآثار الفينيقية والرومانية بالعثمانية والأندلسية التي توجد فيها، والتي تسحر كل من زارها.
“أم البنات”.. قصة راهبة نجت من غرق السفينة
قبة “أم البنات”، وهي القبة التي تم تشييدها تخليدا لراهبة فرنسية نجت من غرق سفينة “بومال” في نواحي ساحل بني حواء في القرن التاسع، جلبت اهتمام الناس بها نظرًا لشجاعتها وتقديرهم لها واعترافهم، وهو ما دفعهم إلى تشييد القبة عند مخرج مدينة بني حواء.
ويحيط بهذه القبة غطاء نباتي كبير كغابة المرسى التي تقدر مساحتها بنحو 2000 هكتار وغابة “القلتة” التي تقدر مساحتها بنحو 5000 هكتار وغابة “بيسا ” وهي محمية طبيعية لأشجار الفلين والصنوبر الحلبي قدرت مساحتها بـ1437 هكتارًا، بالإضافة إلى غابات غنية بالحيوانات كالأرنب البري، الخنزير، الحجل والنسور، وهي مناطق صيد للهواة القادمين من ولاية الشلف وما جاورها، لتكون غابات الظهرة والمرسى والقلتة واحدة من أبرز إمكانيات السياحة الصيدية في المنطقة.
دار الإكرام.. هندسة مدروسة للباحثين عن الراحة
تقع دار الإكرام في مخرج منطقة بني حواء بولاية الشلف بين شرشال وتنس، وهو إنجاز سياحي كبير ويعتبر علامة مميزة في محيط يفتقد لمثل هذه الانجازات. ف_دار الاكرامس الساحرة التي تحتضن الجبل بأشجاره الباسقة، ومناظره الخلابة، تتربّع على مساحة تقدر بحوالي 3 هكتارات على جبل “تيزي يولاس” و”تامدة” المطلاّن على خليج بني حواء المحاط بأساطير قديمة يرويها التاريخ فتزيد من عمق وغرابة هذا المكان الاستثنائي. وتم إنجاز دار الإكرام سنة 2013 من طرف شاب عاد إلى أرض أجداده، أراد أن يستثمر في مركب سياحي غاية في الجمال، يحتوي على شاليهات ومسبح كبير يتوسطهم ومطعم ومقهى وقاعة للمحاضرات والأمسيات الفنية والثقافية، وفيها حديقة كبيرة للراحة وقاعة للصلاة وقاعة للرياضة وكل مرافق الراحة، وتحميها غابة من أشجار الأرز التي تضفي جمالا وراحة عليها وتجعلها من الأماكن المفضلة للترفيه والراحة التي تحتاجها العائلات الجزائرية بعد عناء سنة كاملة من العمل ودراسة الأبناء ومشاق الحياة. فهذا المركب السياحي عبارة على شقق ثنائية، تتكون من 50 فيلا من طابقين، تتوفر فيها كل عوامل الراحة، محاطة بحدائق ومساحات خضراء، يتوسّطها مسبح يزيد من بهجة المكان. وطبعا له لواحق عديدة مثل مسبح مغطّى للنساء يستعمل صيفا وشتاء، وقاعة رياضة، سينما ومطعم نظيف واسع، إلى جانب وسائل الألعاب البحرية ومساحات للعب الأطفال، وقاعة للمحاضرات من أجل منافسات فكرية وأدبية تقام بين العائلات.
واد الملح.. أسطورة السفينة الهولندية وشقروات بني حواء
واد الملح يتميز بموقع جبلي يطل على البحر، في مكان مرتبط بأسطورة بربرية الأصول، تعود إلى عصر قديم حين تحطّمت سفينة هولندية على تلك الشواطئ، وبقي مسافريها عالقين على هذه الأرض منذ ذلك الوقت، وتربط الأسطورة جمال بنات بني حواء الشقراوات بعيونهن الزرق بذلك الميراث الجيني التاريخي. وتعود هذه الحكاية إلى القرن السادس عشر، زمن الحروب التي لا تنتهي، من أجل امتلاك أجمل الأماكن والثروات الطبيعية للشعوب الأخرى من طرف الدول الصناعية الناهضة في ذلك الوقت، وتلك السفينة تعود لبحارة هولنديين كانوا مارين أمام شاطئ بني حواء في اتجاهها لاكتشاف العالم، وفيها عائلات أغلبهم من أصول هولندية حين أدركتهم عاصفة قوية، فتحطّمت باخرتهم على هذه الشواطئ الخرافية ولم تكن لديهم أي وسيلة للرجوع إلى بلدهم، فبقوا في انتظار منقذ، فأصبحوا في عداد المفقودين، فبقوا هناك، وتأقلموا مع الأمازيغ الذين أنقذوهم واحتضنوهم حتى استوطنوا المنطقة، والتحموا مع أهلها وتزوّجوا فيما بينهم، وأصبحوا جزءاً من المكان والناس، وهي حادثة تاريخية تعبر عن كرم وضيافة شعب الأمازيع الأصليّين للجزائر عبر العصور.
بني حواء.. قصة مكان وحكاية نضال
تعتبر بني حواء من المدن التي أحدثها الاستعمار الفرنسي سنة 1907 وقد أطلق عليها إسم فرنسيس قرني وكانت تابعة لبلدية تنس وفي سنة 1957 انفصلت عنها، تتميز بآثار تعود إلى فترة العهد الروماني، حيث الصخور المنقوشة التي عثر عليها مع نقود صغيرة يعود تاريخها إلى العهد الروماني. سكن الإنسان منطقة بني حواء التي كانت ذات أهمية استراتيجية بوجود غابات كثيفة وأراضي المروية، وأسّس الفينيقيون المرافئ العديدة في المنطقة منها شرشال قونوقو [قوراية]، وكارتيناي [تنس] لمبادلة التجارة والأواني الحرفية مع سكان المنطقة. وفي عام 33 قبل الميلاد سيطر الرومان على المنطقة وأسسوا مستوطنة في تنس. أصبحت المنطقة مصدرا مهما لموريطانيا القيصرية وكانت مدينة الشلف مقرا عسكريا لمراقبة القبائل المتمردة ضد الاحتلال. تأثرت الناحية الساحلية والسهول بالنفوذ القرطاجي في القرن 3 قبل الميلاد لتوحيد نوميديا من طرف ماسينيسا. وفي عهد الفتوحات الإسلامية سيطر المسلمون على المنطقة عام 675 م تحت قيادة أبو المهاجر دينار وعمرت المنطقة بقبائل زناتة ومغراوة، وأصبحت تنس جمهورية مستقلة. سيطر أولاد قصير في عام 1774، حيث كانوا من أقوى القبائل وتمردوا ضد باي وهران ودام لعدة سنوات حتى مبايعة الأمير عبد القادر، ليصبحوا ضمن الأغا للتنظيم العسكري للأمير. ولبني حواء ميزة خاصة، حيث أن الوثائق تذكر أن باخرة أوروبية تحمل عددا من الأخوات (البيض) أرسلت ببرشك في طريقها إلى روما. بدأ السكان يترقبون هذا الحدث عند وصوله، فكثر الوافدون إلى هذا المكان، اختلطت الأصوات وأسرع السكان لإنقاذ الموقف، وتم ضيافتهن، وبقين في أحضان سكان القبيلة، وتزوج بهن ومن هنا فهم يمتازون إلى يومنا هذا بنصاعة البياض وزرقة العيون وشقرة الشعر، كما يقول الشيخ المهدي البوعبدلي. ولا زال المعلم الذي يتمثل في ضريح (ماما بينات) بالقرب من شاطئ بني حواء، هذه المرأة حسب الروايات المتداولة فإنها نجت من الغرق بعد تحطم سفينة البانال (banal) ، حيث انطلقت من ميناء تولون Toulon بفرنسا عام 1802 متجهة إلى أوروبا لكن عاصفة هوجاء حولت السفينة إلى بني حواء وكان من بين الناجين من الغرق ست رهيبات من جنسية هولندية وفرنسية، حيث بقين بالمنطقة. لقد تزوجت ماما بينات رئيس القبيلة ونظرا لنشاطها الإنساني في علاج ورعاية الأطفال تعلق بها وأحبها كل أهالي المنطقة. وعند وفاتها شيدوا لها ضريحا كان مقصد السكان لزيارتها، وخلال الفترة الاستعمارية قام أحد المعمرين ببناء ضريح ما زال موجودا إلى يومنا هذا وتم إعادة ترميمه وتهيئته سنة 2008 بعد منح إعانة مالية من طرف سفير هولندا بالجزائر والذي زار هذا الضريح في فترة الأشغال.
بني حواء أيام الثورة والتاريخ
قام سكان المدينة بقطع التيار الواصل لمنجم بريرة وميناء بني حواء الناقل لمعدن الحديد المستخرج من المنجم والمحول إلى ما وراء البحر، وكانت ثروات البلد تنهب لصالح العدو الذي كان يدعم صناعته آنذاك، وقام بتفقير سكان المنطقة وتجهيلهم، وكان الأمر في البداية مرعبا يحمل كل أنواع العذاب.
انطلقت ثورة الفاتح نوفمبر في المنطقة كبقية المناطق الأخرى، وقام العدو بجرائمه التي لا حصر لها، حيث كان يخرج إلى القرى ويجمع السكان ويفتش عن المجاهدين الشجعان الذين كانوا له بالمرصاد. ولم يكن المواطنون آنذاك على درجة كافية من الوعي ليصدقوا أنهم يتحدون العدو مهما كان، وكان المنجم مصدر رزق ولكن انتفضوا واتخذوا موقف إعلان الثورة التحريرية، وهي منطقة تجمع التنوع الطبيعي بين الجبال الصخرية والطبيعة الخضراء التي تحيط بها المنحدرات الصخرية العالية. وصلت طلائع الثورة في 1958 وفي حدود العاشرة ليلا، تقرر الهجوم على ثكنة قرب بلدية بني حواء بعد دراسة شاملة. تحركت الكتيبة بقيادة نور الدين وسي عثمان نائبه، وبعد توزيع الأفواج وحدد كل مكانه ومهامه، أعطيت إشارة الهجوم على المركز، وراحت رشاشات المجاهدين تمطر على العدو، لكن المركز كان في حصن تام. حدث ما لم يكن في الحسبان، استشهد سي نور الدين وبعض المجاهدين. حمل المجاهدون الشهداء وتوجهوا إلى جبل بيسا ووقفوا بإجلال ترحما على أرواح الشهداء. لقد أخذ المجاهدون الحذر من قنبلة المنطقة، شرعت دوريات المجاهدين في رصد تحركات العدو، بدأت السفن في الإنزال على الساحل، تفرغ معدات عسكرية، تشحن وتفرغ وبدأت بوارج تقصف قمم بيسا، تحركت قوات العدو في بطء تحت غطاء القصف الكثيف من البحر وأسراب من الطائرات، اتجه العدو إلى الجبل للتفتيش، وفي هذا الوقت استعد المجاهدون بكل إيمان بعدما أخبرت الحراسة بأن العدو عاد يمشي باتجاه المركز، وبسرعة فائقة أعطى سي عثمان توجيهات دقيقة لنصب الرشاشات في روابي وفي الجبل، وفي الطريق عاد العدو وفي كتفه أسلحة كأنهم في عطلة يمشون في غابات الجزائر، دخل العدو الكمين وأطلق المجاهدون نيرانهم ولاذ العدو بالفرار وكانت الأفواج الأخرى تنتظرهم، فسلّم العدو نفسه، وتحصل المجاهدون على الأسلحة، شن العدو هجوما على المنطقة وأسرع لمحاصرة المجاهدين بعد قتل العشرات من عساكر العدو، تم قصف المنطقة برا وبحرا وجوا وإجراء عملية تمشيط واسعة، لم يجد العدو ما يفعله سوى الانقلاب على سكان المحتشدات لتسليط العقاب عليهم. غير أن ثورتنا عظيمة والشعب الجزائري متميز في تاريخه ودينه وفي لغته ووحدته الوطنية.
بلدية بني حواء.. إمكانيات كبيرة بحاجة للاستغلال
يشتكي سكان بني حواء من غياب العقار لإتمام المشاريع، فعلى المعنيين بالأمر أن يهتموا بتوسيع العمران واستعادة العقار لمواصلة التنمية وتوسيع المرفأ البحري بالنظر إلى ما يتوفر عليه من إمكانيات وتدعيم الصيد البحري لامتصاص البطالة.
فبلدية بني حواء تتوفر على إمكانيات طبيعية تؤهلها لأن تكون قطبا سياحيا بموقعها المتميز على طول شريط البحر، وتعتبر من أروع المناطق ومن أبرز المعالم السياحية التي ارتبطت بجبل بيسا. كما تتوفر البلدية على ثروات طبيعية هامة كالصيد البحري الذي ما زال ينقصه الكثير من الهياكل، وتتوفر على ثروة سمكية غنية مشهورة تحتاج إلى أيدي ماهرة وإلى إمكانات مادية. كما تشتهر بإنتاج المحاصيل الزراعية الكبرى وجمال خضرتها ومن حيث المناخ والتضاريس، فهي توفر كل شروط الراحة للمصطاف الذي يبحث عن الأمان والراحة وهما عاملان متوفران بذات الموقع البحري المميز، حيث تمتزج فيها خضرة الأشجار التي تغطي الغابات المواجهة للبحر بزرقة ماء البحر في صورة مثيرة تدهش العقول.










