الجزائر -عرفت الجزائر، خلال السنة 2020 التي تنقضي اليوم، العديد من الأحداث السياسية البارزة التي تلت الانتخابات الرئاسية لديسمبر سنة 2019، من خلال إقرار دستور جديد أحدث قطيعة مع الممارسات البالية القديمة، كما أعطى الرئيس تبون في هذه السنة وهي أولى سنوات عهدته بقصر الرئاسة، نفسا جديدا للحياة السياسية والدبلوماسية، رغم العراقيل التي فرضتها جائحة فيروس كورونا التي تضرب العالم، كما لم تتوقف في نفس السنة قاطرة العدالة في مكافحة الفساد ومحاكمة باروناته، في مقدمتهم المسؤولون السابقون وعائلاتهم.
يرى الكثير من المتتبعين للشأن الجزائري أن سنة 2020 كانت أفضل سنة بالنسبة للحياة السياسية والدبلوماسية للجزائر، مقارنة بالجمود الذي ساد خلال سنوات خلت. وظهر ذلك جليا في كثافة الأجندة التي باشرها الرئيس تبون لتنفيذ التزاماته الانتخابية الـ54 التي قطعها أمام الشعب الجزائري في حملة انتخابات ديسمبر 2019 وكذا مواصلة تلبية مطالب الحراك الشعبي، وكانت البداية بفتح الرئيس تبون لحوار وطني شامل وواسع مع كافة تيارات الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، التي تمحور فيها النقاش حول مشروع تعديل الدستور الذي وعد وبه، وعبر عن تمكسه بالالتزام به بعد قرابة شهر من أدائه اليمين الدستورية، بتشكيل لجنة تتولى صياغة مسودة بقيادة الخبير الدستوري، أحمد لعرابة، والتي أرسلت فيما بعد مقترحات خاصة بالدستور الجديد التي ساهمت بدورها في فتح نقاش سياسي عميق لم تعرفه الجزائر من قبل، وهو النقاش الذي تفاعل معه رئيس الجمهورية بكل شجاعة وصدق من خلال توليه شخصيا الإجابة على انشغالات الطبقة السياسية، وإزاحة الكثير من الغموض واللبس الذي أحاط بالمسودة الأولى من الدستور المعدل. وبتنظيم الاستفتاء الخاص بتعديل الدستور في الفاتح نوفمبر الفارط، يكون رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد جسد أحد أبرز التزاماته السياسية، لتكون هذه المراجعة التوافقية القاطرة الرئيسية التي ستجر وراءها إصلاحات أخرى مبرمجة ضمن خطة العمل الرئاسية المؤسسة لجزائر جديدة، كما طالب بها الحراك الشعبي، في مقدمتها إجراء انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة بعد مراجعة قانون الانتخابات وفتح ورشات كبرى أخرى، الغاية منها الترسيخ الفعلي للديمقراطية والتجسيد الحقيقي لدولة الحق والقانون و تعزيز الحريات الأساسية.
* استمرار الحرب على الفساد والمفسدين في جميع المستويات

كما ميزت سنة 2020 استمرار مصالح الأمن المختلفة وجهاز العدالة في مكافحة الفساد بجميع أشكاله، بحزم وإرادة سياسية لم تعرف من قبل، لا سيما وأن الرئيس تبون وضع مسألة مكافحة الفساد كأولوية، من خلال عزمه على إنهاء الإفلات من العقاب وإعطاء الطابع الدستوري لسلطة الشفافية والوقاية ومحاربة الفساد، ولم تكتف هذه الحرب بمحاكمة العصابات الكبرى للفساد الذي عشش في النظام السابق وتورط فيه إلى جانب رجال أعمال من أمثال عائلة كونيناف وحداد وطحكوت والعشرات من الأثرياء الجدد، بل امتدت إلى المسؤولين السابقين من رؤساء حكومات كأحمد أويحيى وعبد المالك سلال والعشرات من الوزراء، حيث تم سن قانون يعاقب الغش والتهرب الضريبي لمكافحة تبييض الأموال والفساد، واستحداث قطب جزائي وطني متخصص في مكافحة الجريمة المالية والاقتصادية، وإنشاء ورشات عمل مكلفة بمراجعة النظام التشريعي والتنظيمي، منها قانون الوقاية ومكافحة الفساد، إلى جانب إعلان الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته عن بعث مشروع الشبكة الوطنية للنزاهة التي تهدف بالأساس إلى دعم مشاركة المجتمع المدني في ترقية النزاهة ومكافحة الفساد من خلال وضع آليات فعالة للتبليغ عن الفساد وحماية المبلغين.
* الجزائر تعود بقوة إلى الساحة الدولية ونصرة القضية العادلة

كما عرفت السنة الفارطة أيضا تعزز الدور الدبلوماسي للجزائر على الساحة الدولية بقيادة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بفضل الوسطية والحياد الذي يميز الدبلوماسية منذ الثورة التحريرية، ما أهلها لأن تلعب دورا مهما في مسار تسوية العديد من النزاعات الجهوية. وعرفت الساحة الدبلوماسية الجزائرية نفسا جديدا خلال نفس السنة من خلال إعادة تفعيل دبلوماسيتها التي بنت مبادئها على ترقية الحلول السلمية للنزاعات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والتصرف في ثرواتها. وأكد الرئيس تبون في العديد من المناسبات على أن مصداقية ونزاهة الدبلوماسية الجزائرية يخولانها لأن تلعب دور الوسيط في حل مختلف الأزمات والقضايا الإقليمية والدولية، جسدت أولى التحركات الدبلوماسية الجزائرية في مشاركة رئيس الجمهورية تارة ورئيس الدبلوماسية، صبري بوقادوم تارة أخرى في العديد من اللقاءات للنظر في الأزمات المستعصية، لا سيما تلك التي تشكل تهديدا لأمنها القومي، فكانت البداية مع الأزمة الليبية، التي شكلت أولوية للقيادة الجزائرية، لا سيما بعد التطورات الخطيرة التي عرفتها الأوضاع في الدولة الجارة، حيث جددت العديد من الأطراف الفاعلة في الأزمة على المقاربة الجزائرية التي ما فتئت تنادي بضرورة حل سياسي للأزمة من خلال حوار ليبي-ليبي يضم كل الأطراف في البلد، تحت رعاية الأمم المتحدة، يفضي إلى بناء مؤسسات شرعية عبر انتخابات نزيهة وشفافة تقود ليبيا إلى بر الأمان، الأمر الذي أكد عليه الرئيس تبون خلال مشاركته في مؤتمر برلين بدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في شهر جانفي الماضي، مبرزا دور التدخل السلبي في عودة ظهور العنف في ليبيا.
ولم تغفل الجزائر مجريات الأحداث التي طرأت في مالي، البلد الذي تتقاسم معه 1329 كلم من الحدود والذي يشهد هو الآخر أزمات أمنية وسياسية تهدد أمن واستقرار الساحل الإفريقي، حيث كانت قد ساهمت من قبل في إطار المساعي الأممية لاستقراره من خلال مرافقة الفرقاء الماليين للتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة في 2015. وشكلت قضايا التحرر أهم المسائل التي رافعت من أجلها الجزائر باعتبارها أحد الثوابت النابعة عن مبادئ ثورتها المجيدة التي لم تحد عنها يوما، وهو الذي انعكس على مسيرتها الدبلوماسية، لا سيما فيما يخص قضيتي فلسطين والصحراء الغربية، خاصة وأن التطورات التي طرأت على القضية الفلسطينية، لا سيما ما يعرف بصفقة القرن التي اقترحتها إدارة الرئيس الأمريكي المغادر دونالد ترامب، تلاها إعلان العديد من الدول العربية والإسلامية التطبيع مع الكيان الصهيوني، دفعت من جديد بالدبلوماسية الجزائرية للتحرك والتأكيد على رفضها لهذه “الصفقة الرامية إلى إنهاء القضية الفلسطينية”، مجددة من خلال خارجيتها دعمها القوي والدائم للقضية ولحق الشعب الفلسطيني الشقيق غير القابل للتصرف أو السقوط بالتقادم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وبعد أسبوع من إعلان التطبيع من بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني جاء رد الجزائر واضحا وصريحا لا لبس فيه من خلال تأكيد الرئيس تبون أن “مواقف الجزائر ثابتة إزاء القضية الفلسطينية”، مضيفا “إنها قضية مقدسة بالنسبة إلينا وإلى الشعب الجزائري برمته”، معربا عن أسفه بشأن الهرولة للتطبيع.
وكعادتها تبقى الجزائر وفية لمبادئها التحررية أيضا فيما يخص مسألة الصحراء الغربية، التي عرفت هي الأخرى تطورات خطيرة في 2020 عقب العدوان العسكري المغربي في 13 نوفمبر الماضي على المتظاهرين السلميين في الكركرات. وحذر وزير الشؤون الخارجية من أن هذه الأحداث شكلت تحديات خطيرة يمكن أن تعرض السلام والأمن في المنطقة بأكملها للخطر. ووعيا منها بأهمية التموقع القاري، وضرورة تفعيل دور الاتحاد الإفريقي لتسوية الخلافات في البيت الإفريقي، دعت الجزائر على لسان رئيس دبلوماسيتها، خلال أشغال الدورة الاستثنائية الحادية والعشرين للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي إلى ضرورة أن يتحمل مسؤولياته في الصحراء الغربية وسط الفشل التام لآلية الترويكا.
دريس م.










