أنوار من جامع الجزائر

نور الوحي من أسباب هداية العباد – الجزء الثاني –

نور الوحي من أسباب هداية العباد – الجزء الثاني –

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استنار بنور الوحي، كان من أسباب هداية العباد إلى سبيل الرشاد، وتعريفهم بمعبودهم الحق صاحب المعاد، وقد أثبت القرآن هداية البيان والإيضاح له عليه الصلاة والسلام، بعد هداية الوحي فقال عز من قائل: ” وكذلك أوحينا إليك نورا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم” الشورى: 52، بل إن مما يُعَظِّمُ الفرحة بسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه حريصٌ على هدايتنا، ويكاد يتفطر فؤاده على أمته حزنا أن تتنكب صراط الهداية والرشاد، فقال تعالى: “لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين” الشعراء: 3، وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حولها، جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجُزُهُن ويغْلِبْنَه قيتَقَحَّمْن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلمَّ إلى النار، هلم إلى النار، فتغلبوني تَقَحَّمُون فيها”. أمة الدعوة: إن من أعظم آثار النور والهداية في شخص رسول الله عليه الصلاة والسلام أن رسالته إلى العالمين، قد غيرت وجه البشرية رأسا على عقب، فأخرجت دعوته الناس من ظلمات الجاهلية إلى أنوار الهداية، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وأحدثت في العالم ثورة هائلة في منظومة الحياة كلها لم تشهد لها البشرية مثيلا، وما أروع شهادة لامارتين في صاحب الهداية: ” أي رجل قيس بجميع المقاييس التي وضعت لوزن العظمة الإنسانية أعظم من محمد؟، لو كان مقياس العظمة هو إصلاح شعب متدهور فمن ذا يتطاول إلى مكان محمد، لقد سما بأمة متدهورة، ورفعها إلى قمة المجد، وجعلها مشعلا للمدنية، وموردا للعلم والعرفان، ولو كان مقياس العظمة هو توحيد البشرية المفككة الأوصال، فمن أجدر بهذه العظمة من محمد الذي جمع شمل العرب، وجعلهم أمة واحدة وإمبراطورية شاسعة، ولو كان مقياس العظمة هو إقامة حكم السماء في الأرض، فمن ذا الذي ينافس محمدا، وقد محا مظاهر الوثنية لتسُود عبادة الخالق وحده، ولو كان مقياس العظمة هو الأثر الذي يخلده في النفوس على مر الأجيال، فها هو محمد يتبعه مئات الملايين من الناس من مختلف البقاع، مع تباين أوطانهم وألوانهم وطبقاتهم”.

الجزء الثاني من خطبة الجمعة من جامع الجزائر