الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا هُوَ نَمُوذَجُ الْحُرِّيَّةِ الْحَقَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ وَانْتَظَمَتْ عَلَى أَسَاسِهَا شُؤُونُ الْمُسْلِمِينَ مُنْذُ ظُهُورِهِ، إِنَّهَا الْحُرِّيَّةُ الْمُنْضَبِطَةُ وَالْكَرَامَةُ الْإِنْسَانِيَّةُ الْمُتَمَثِّلَةُ فِي الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالَّتِي نَتَعَلَّمُ مِنْهَا كَيْفَ نَعْكِسُ الصُّورَةَ النَّاصِعَةَ لِتَعَالِيمِهِ، وَنُقَدِّمُ النَّمُوذَجَ الْأَمْثَلَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَسْؤُولِيَّةِ، وَبَيْنَ الْكَرَامَةِ وَالِانْضِبَاطِ. فَالْحَذَرُ الْحَذَرُ مِنْ دَعَوَاتِ الْحُرِّيَّةِ الْمَسْمُومَةِ الَّتِي هِيَ ذَرَائِعُ لِلْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَإِشَاعَةٌ لِلِانْحِلَالِ وَالتَّفَلُّتِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْمَكَارِمِ، فلْنَلْتَزِمْ بِفَضَائِلِ الْإِسْلَامِ وَآدَابِهِ الَّتِي تَحْفَظُ كَرَامَتَنَا فَإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ. اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا شُرُورَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا وَعَمَلًا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ، الْعَامِلِينَ بِعِلْمِهِمْ، الصَّادِقِينَ فِي نِيَّاتِهِمْ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. وَمَتِّعْنَا اللَّهُمَّ بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا إِلَى النَّارِ مَصِيرَنَا. اللَّهُمَّ يَا مُؤَلِّفَ الْقُلُوبِ، وَيَا جَامِعَ الشَّتَاتِ، نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَا أَنْ تُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَنْ تَجْمَعَ شَمْلَنَا عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ فِيكَ، اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَمِنْ كُلِّ مَا يُفْسِدُ الْوُدَّ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ إِذَا وَعَدَ أَوْفَى، وَإِذَا حُدِّثَ صَدَقَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ أَدَّى، وَإِذَا خَاصَمَ عَدَلَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر