الفاتح نوفمبر 54.. نقطة تحول لكسب الدعم الدولي والمساندة لتحقيق الاستقلال

هكذا تمكنت الدبلوماسية الجزائرية بالخارج من القضاء على أسطورة “الجزائر فرنسية”

هكذا تمكنت الدبلوماسية الجزائرية بالخارج من القضاء على أسطورة “الجزائر فرنسية”

يستذكر الجزائريون غدا الإثنين المصادف لتاريخ 1 نوفمبر الذكرى السابعة والستين (67) لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، هذه الثورة الخالدة التي زعزعت أركان المستدمر الفرنسي وحققت النصر المبين، بفضل وحدة وطنية وعزم جيش التحرير الوطني على تبني كل الطرق السليمة لتحقيق الاستقلال، من كفاح مسلح إلى عمل دبلوماسي كان له دور هام في إنجاح الثورة الجزائرية وإيصالها إلى العالم.

وتعد الثورة الجزائرية واحدة من أبرز ثورات النصف الثاني في القرن العشرين سقط فيها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد، حيث كان إصدار بيان أول نوفمبر لاندلاع الثورة وتحديد هدفها وميلاد حركة تسمى جبهة التحرير الوطني، محورا هاما في توحيد الشعب الجزائري والتعرف بالقضية الجزائرية في الخارج. وحسب المؤرخين الجزائريين، فإن استراتيجية قادة الثورة الجزائرية كانت تقوم على أساس جهاز سياسي لجبهة وجيش التحرير الوطني الجزائري بحيث يكون هذا الجهاز قادرا على شرح معنى وأهداف الثورة قصد كسب التأييد الداخلي والخارجي، حيث شرعت جبهة التحرير الوطني إثر تفجيرها للثورة المسلحة تتحرك إلى الصعيد الخارجي وربطت بذلك سياستها الداخلية بسياستها الخارجية واستكمالات للمهمة الداخلية فقد عزز البيان ذلك بوضع خطة تضبط الأهداف الخارجية للكفاح الوطني لأجل التأثير الدولي لدى “الرأي العام العالمي”. وكان من بين الأهداف التي حددها بيان أول نوفمبر من أجل الاستقلال الوطني على الصعيد الخارجي هو العمل على تدويل القضية الجزائرية والقضاء على أسطورة “الجزائر فرنسية” عبر جعل القضية الجزائرية قضية دولية بمساندة كل الحلفاء الطبيعيين.

 

*انتصارات دبلوماسية في أول تجمع لمنظمة الدول الآفرو- آسيوية في مؤتمر باندونغ

روح مؤتمر باندونغ تبقى احد أدوات تكريس التعاون بين بلدان الجنوب

وكان لتأسيس المكاتب الخارجية لجبهة التحرير الوطني عبر إقامة مراكز حضور دائمة في بعض العواصم العربية والإسلامية خصوصا، دور هام في تشكيل الحليف الطبيعي والواعد للثورة الجزائرية، وأطلق على هذه الممثليات اسم مكاتب وبعثات جبهة التحرير الوطني.

وقد عين مهري في دمشق وأحمد توفيق المدني في القاهرة والشيخ محمد خير الدين في الرباط، والمقدم قاسي ثم بوزيدة في تونس ومحمد الصديق بن يحي ويساعده لخضر ابراهيمي في جاكارتا وتم افتتاح مكتب الجزائر في 52 ايست ستريت بنويورك منذ افريل 1956. وحققت الثورة الجزائرية بعد 5 أشهر من اندلاعها أولى انتصارات دبلوماسية وهو الدعم الذي نالته القضية في أول تجمع لمنظمة الدول الآفرو- آسيوية في مؤتمر باندونغ في 24 أفريل 1955، حيث للعامل الخارجي أهمية في إنجاح الثورة الجزائرية إلى جانب العمل المسلح. وأكد المؤرخون، أن الوفد الجزائري لجبهة التحرير الوطنية توجه إلى آفاق أبعد وأعمق باتجاه الحليف الطبيعي لفرنسا، في إشارة إلى دول غرب أوروبا من أجل كسب أصوات قد تدعم مواقف الجبهة وتفضح ممارسات الطرف الفرنسي وتكتسب مساحات إضافية في حق الصراع الدبلوماسي ضد دبلوماسيي حكومات الجمهورية الفرنسية الرابعة لذلك لجأ الوفد الجزائري منذ منتصف عام 1957 إلى فتح بعثات التحرير الوطني في لندن وفي روما وفي سويسرا وبمدريد وستوكهولم، أين تم استغلال ذلك في نسج علاقات مع أوساط سياسية واقتصادية ونقابية عمالية وطلابية، رغم الطابع غير الرسمي للجبهة في أوروبا، وعلى سبيل المثال لا الحرص تم التمكن في بون من ربط صلات مع نائب كولونيا هانس جورجن ويشنفسكي والذي أصبح فيما بعد وزيرا للتعاون في حكومة براندت، مع ربط علاقات مع نائب هامبورغ بيتر بلاكشتاين وبروما ربط علاقات قوية مع شخصيات ذات نفوذ سياسية واقتصادية جد مؤثرة مثل إنريكو ماتي وجيورجيو لابيرا وليلو باسو وبترو نيني وتولياتي.

 

* دمج بين الكفاح المسلح والسياسي يجعل الجزائر ندا قويا أمام الدبلوماسية الفرنسية

عباس فرحات مسيرة كفاح، من جزائر المقاطعة الفرنسية إلى جزائر الجمهورية  الجزائرية المستقلة - بوابة الجزائر

ولعبت الدبلوماسية الجزائرية أثناء الثورة التحريرية دورا أساسيا، وذلك استكمالا للكفاح المسلح، في مواجهة الدبلوماسية الفرنسية، التي قامت بنشاط كبير على المستوى الدولي، من أجل جلب دعم معنوي ومادي لها، أو على الأقل ضمان حياد فيه شيء من التعاطف بخصوص الموقف من القضية الجزائرية.

كما عملت الثورة الجزائرية للاستفادة من الوضع الإقليمي والعالمي في سبيل توفير المؤونة المختلفة وذلك بتوظيف الحدود الشرقية والغربية لجعلها مصدر تموين خارجي، على رأسها شحنات الأسلحة التي أحيانا يفوق وزنها 30 طنا، تمر عبر مدنين وقابس ثم إلى تونس وبعد ذلك تنقل إلى الحدود الشرقية للجزائر، حيث تقسم الأسلحة إلى مختلف المناطق بحضور ممثليها، بعد الحصول عليها من تونس وليبيا والقاهرة وكذلك أوروبا. وتمكن الجزائريون، من تهريب ألف قطعة سلاح من إسبانيا، مع عدد كبير من الشحنات أتية من مختلف الدول المجاروة للجزائر والتي ساهمت بإعطاء نفس جديد لقادة الداخل لتوسيع دائرة الصراع بتوزيع هذه الكميات على كل المناطق العسكرية، في ظل الدعم العربي الذي تحول إلى قواعد خلفية للثورة في ظل ما قام به أعضاء الوفد الخارجي في غرة نوفمبر منه مهمة “الإعلام بواسطة التصريحات والتعليقات والندوات والمؤتمرات الصحفية سواء كتابيا بالنشر في الصحف والمجالات أو شفويا بالتعليق على الإذاعات وذلك لغرض التعريف بالثورة وبأهدافها في مكافحة الاستعمار الفرنسي إلى غاية الحصول على الاستقلال التام من خلال أول تعليق عبر إذاعة “صوت العرب” بالقاهرة بعنوان الثورة تنفجر في الجزائر وكان فحوى هذا التعليق يدور حول المقاومة في بلاد المغرب العربي عامة، كما كان للإذعة الأردنية دور كبير في خدمة القضية الجزائرية.

 

* الحكومة المؤقتة وخطتها في الظفر بتأييد دولي والحق في تقرير المصير

تأسيس الحكومة المؤقتة الأولى للجمهورية الجزائرية – الوسط الجزائرية

كما نجد تأسيس الحكومة المؤقتة سنة 1958، مكنها من الحصول على الدعم متعدد الأشكال من الدول العربية، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي في إطار جامعة الدول العربية، هذا ما مكنها من توسيع عملها سواء على الصعيد العسكري أو في المجال الدبلوماسي.

وبدورها لعبت الحكومة المؤقتة لجمهورية الجزائرية بأروربا والولايات المتحدة واليابان، دورا لا يستهان به وقد ركز ممثلو الثورة بهذه البلدان على الجانب الإنساني بتوظيف ملف اللاجئين وحقوق الإنسان من أجل التأثير في الرأي العام. كما شكل استيعاب جبهة التحرير الوطني لإطارات المركزيين والاتحاد الديمقراطي لبيان الجزائريين وجمعية العلماء، إضافة إلى الطلبة إحدى نقاط قوتها في نشاطها الخارجي الدبلوماسي والدعائي، فقد لعب هؤلاء دورا رئيسا في تأطير هذا النشاط وأعطى جبهة التحرير في الخارج مصداقية ومظهرا متفتحا لحركة تحريرية وطنية استقلالية بعد قمة الذكاء التنظيمي بعد توظيف الكفاءات. واستطاعت، بذلك جبهة التحرير الوطنية أن تجابه الحصار الدبلومسي الفرنسي ومن خلال نشاط دولي حثيث ساهم في جلب الدعم المادي والمعنوي للقضية الجزائرية، حيث بعد نشاط الحكومة المؤقتة في المجال العسكري كان للمجال الدبلوماسي النشاط الأكبر بالنسبة لها، وذلك من خلال تكثيف الاتصالات بعدة دول من أجل كسب التأييد والاعتراف. كما زادت الحكومة المؤقتة نشاطاتها دوليا من خلال المشاركة في عدة مؤتمرات عربية وآسيوية ودولية، أين تلقت الدعم الإفريقي ودعم مختلف الدول في هذه المؤتمرات زادت من التعريف بالقضية الجزائرية وأعطت الدعم الدولي لها، وجندت في صفوفها الدول الإفريقية المعادية للاستعمار، ويتجلى ذلك من خلال التحضير لمناقشة القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة في إطار عمل اللجان، تحضيرا للدورة الرابعة عشر، 14 جوان 1959، حيث تولت 25 دولة إفريقية وآسيوية تسجيل القضية الجزائرية بجدول أعمال الدورة الرابعة عشر بالذات مناقشة القضية في اللجنة الأولى وتقدمت 22 دولة آسيوية بمشروع قرار في 3 ديسمبر 1959، ويعترف القرار بحق تقرير الدخول في مفاوضات في أقرب وقت لوقف إطلاق النار وتقرير المصير واعتبار إلى رغبة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في التفاوض.

 

* فرنسا “تركع أخيرا” بعد معركة شرسة دامت 7 سنوات

فترة حكم الجنرال ديغول هي الأعنف والأكثر دموية بالجزائر

وبدأت السلطات الفرنسية بالاتصال مع جبهة التحرير الوطني، قبل أن تعترف فرنسا رسميا بالجبهة كطرف محارب، وتدخل معها في المفاوضات الرسمية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري، علما أن تسارع الأحداث واتساع صدى الثورة الجزائرية خصوصا في الميدان الدبلوماسي، جعل من الجنرال ديغول يراهن على إيجاد طريق لتسوية القضية الجزائرية.

وكان وقف إطلاق النار بداية للمرحلة الانتقالية، حيث تم الاتفاق على تنظيم استفتاء وهي المحطة الفاصلة بين مرحلة الجزائر المستعمرة ومرحلة الجزائر المستقلة، وتم تحديد يوم 5 جويلية 1962 كموعد رسمي لإعلان الاستقلال، وهكذا بعد مضي 132 سنة من وجود الاستعمار الفرنسي بالجزائر، وبعد معركة شرسة دامت سبع سنوات، نالت الجزائر استقلالها. وانتهت الحرب بإعلان استقلال الجزائر في 5 جويلية 1962، وهو نفس التاريخ الذي أعلن فيه احتلال الجزائر في سنة 1830 وقد تلا إعلان الاستقلال الجنرال شارل ديغول عبر التلفزيون، مخاطباً الشعب الفرنسي. وجاءَ الاستقلال نتيجة استفتاء تقرير المصير للفاتح من جويلية، المنصوص عليه في اتفاقيات إيفيان في 18 مارس 1962، وأعلن على إثره ميلاد الجمهورية الجزائرية في 25 سبتمبر 1962 ومغادرة مليون من الفرنسيين المعمّرين بالجزائر منذ سنة 1830.

سامي سعد