نعلم جميعاً أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك كان أشدَّ الناس خشيةً لله تعالى، ومن نماذج خوفه صلى الله عليه وسلم من ربِّه تبارك وتعالى: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فقَالَ: “لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ؛ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ”. قَالَ أنسٌ رضي الله عنه : فغَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ” رواه الترمذي. ومعنى الحديث: لو علمتم ما أعلمه من عظمة الله تعالى وانتقامه ممن يعصيه؛ لطال بكاؤكم وحُزنكم، وخوفكم مما ينتظركم، ولَمَا ضحكتم إلاَّ قليلاً. وعَنْ عبد الله بن الشخِّير رضي الله عنه قَالَ: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى؛ مِنَ الْبُكَاءِ صلى الله عليه وسلم” رواه أبو داود. والأزيز: هو الخنين من الجوف، وهو صوت البكاء، وهو أن يجيشَ جوفُه ويغلي بالبكاء.
والخوف من الله تعالى ليس قاصراً على الأنبياء والبشر؛ فقد قال الله تعالى في خوف الملائكة منه سبحانه: ” يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ” النحل: 50. وقال أيضاً: ” وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ” الرعد: 13. ومَنْ تأمَّل أحوال الصحابة رضي الله عنهم ومَنْ بعدهم من الصالحين؛ وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جَمَعْنا بين التقصير والتفريط والأمن. فكلما ازداد علم العبد بربه سبحانه وبنفسه؛ ازداد خوفه وعملُه، وكلما ازداد جهلُه بربِّه وبنفسه؛ ازداد أمنه وتفريطه. فهذا الصدِّيق رضي الله عنه يقول: “وددتُ أني شعرةٌ في جنب عبدٍ مؤمن” وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عودٌ من خشية الله عز وجل. وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه قرأ سورةَ الطور حتى بلغ: ” إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ” الطور: 7، فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادُوه. وقال لابنه وهو يموت: ويحك ضع خدي على الأرض، عساه يرحمني، ثم قال: ويلَ أُمِّي إنْ لم يغفرْ لي – ثلاثاً – ثم قضى. وهذا عثمان ذو النورين رضي الله عنه: كان إذا وقف على القبر يبكي حتى يَبَلَّ لحيته، قال: لو أنني بين الجنة والنار، ولا أدري إلى أيتهما أصير؛ لاخترت أنْ أكون رماداً، قبل أنْ أعلمَ إلى أيتهما أصير.