وجع الوضع والإهمال والإهانة… ثلاثية معاناة تعيشها الحوامل قبل وبعد الولادة

وجع الوضع والإهمال والإهانة… ثلاثية معاناة تعيشها الحوامل قبل وبعد الولادة

 

مصالح التوليد النقطة السوداء في المؤسسات الصحية العمومية

– وفاة سيدتين حاملين يؤزم الوضع في المسيلة

أعادت حادثة وفاة امرأتين حاملين تبلغان من العمر 25 و35 سنة بولاية المسيلة الحديث عن وضعية مصالح التوليد بالجزائر، هذه المصالح التي صارت تتمتع بسمعة سيئة بسبب المعاناة التي تتكبدها الجزائريات فيها أثناء وضعهن لمواليدهن.

اهتزت ولاية المسيلة بخبر وفاة سيدتين حاملين، الحامل الأولى البالغة من العمر 25 سنة، والتي جاءت من بلدية المعاضيد لوضع حملها، أصيبت بنزيف دموي، جعل الفريق الطبي على مستوى المؤسسة الاستشفائية المختصة في التوليد وأمراض النساء “سليمان عميرات” يقوم بإرسال المرأة إلى قسم العناية المركزة بالمؤسسة الاستشفائية “الزهراوي”، أين لفظت أنفاسها الأخيرة متأثرة بالنزيف، هذا وقد شيعت جنازتها بمسقط رأسها المعاضيد.

كما توفيت سيدة حامل تبلغ من العمر 35 سنة في ظروف غامضة بالمؤسسة الاستشفائية المختصة في التوليد وأمراض النساء “سليمان عميرات” بالمسيلة، هذا و أعلنت وزارة الصحة والسكن وإصلاح المستشفيات، عن إيفاد لجنة تحقيق في وفاة السيدتين، وأكدت على أن سبب وفاة السيدة الأولى كان أثناء مرحلة إخضاعها لعملية غسيل كلى بمستشفى “الزهراوي”، أما الثانية فسبب وفاتها كان معاناتها من انسداد رئوي بمستشفى “سليمان عميرات”.

هذا، وعرفت المؤسسة الإستشفائية للأمومة والطفل “سليمان عميرات” المتواجدة بعاصمة الولاية المسيلة، احتجاجات بالجملة على خلفية وفاة المرأتين الحاملين، شارك فيها أهل الضحية ومتضامنون مع الحادثة، بسبب الوضعية الكارثية التي يعرفها المستشفى، حيث تعيش النساء الحوامل أثناء وبعد وضعهن لمواليدهن معاناة حقيقية يصعب وصفها داخل أسوار ذات المستشفى. وطالب المحتجون بمحاسبة الفاعلين، كما ناشدوا والي الولاية نفض الغبار على قطاع الصحة بالولاية، واتخاذ قرارات صارمة بعدما أصبح الموت ينتظر الحوامل بمستشفى “سليمان عميرات”، أين سجلت به العشرات من الحالات المماثلة لحالتي المرأتين الحاملين.

 

أقسام الولادة.. مسلسل رعب ما زال قائما

بين قلة التجهيزات وكثرة الوفيات وبين وجع الولادة والإهانة في المستشفى، فضائح وغرائب تعيشها أقسام الولادة في عدة مستشفيات بالعاصمة، إذ باتت العيادات الخاصة المنفذ الوحيد للنساء خوفا على صحتهم وعلى أطفالهم بعد أن أصبح سرير واحد لثلاث نساء ضف إلى ذلك المعاملة السيئة من طرف القابلات والعاملين في المصلحة.

كل هذا أدى إلى تدني ظروف ونوعية الخدمات المقدمة على مستواها، ويمكن لكل من يزور مصالح التوليد بكل من مستشفيات مصطفى باشا الجامعي، بني مسوس وباينام وحتى بارني أن يلاحظ المستوى المتدني لهذه المصالح، خاصة وأن هذه المصالح تستقبل يوميا ما يفوق طاقتها ثلاث مرات مما ينعكس سلبا على الخدمات.

 

.. ضغط كبير على مصلحة الأمومة والتوليد

من يرى قسم الأمومة والتوليد بمستشفى مصطفى باشا أو القبة، يعتقد أنها جناح من أجنحة الأحياء الجامعية للبنات التي تحتضن العديد من الأسرّة في غرفة واحدة، ونظرا لنقص الأماكن، نجد نساء حوامل أو وضعن حملهن تتقاسمن سريرا واحدا، وحديثي الولادة في حاضنة واحدة !! وبالتالي تحولت إلى مراقد جماعية والآن صارت الحوامل تقضين الليل واقفات، والغريب في كل هذا هو أن هذه الظاهرة معروفة لدى العام والخاص، وبالتالي تحوّل جو الراحة الذي من المفروض أن يوفر للحامل الموشكة على الوضع إلى كابوس.

 

سرير واحد لسيدتين أو أكثر

نفس المشهد يتكرر عبر أقسام الولادة في مختلف المستشفيات العمومية، حيث تعج قاعاتها بالحوامل والصراخ، وفي كثير من الأوقات تمتلئ الأسرة بالنساء من اثنتين إلى ثلاث بكل سرير، وأخريات ولم يحظن بسرير إلا بتوصية من إحدى الممرضات أو القابلات .

وعن الاكتظاظ الذي تشهده مصالح الولادة بالعاصمة، أوضحت السيدة “نادية” قابلة ذات خبرة واسعة، أن هذه المرافق لا يمكنها رفض امرأة توشك على الولادة بالرغم من أنها لا تتوفر على سرير لأن الأمر يتعلق بحياة إنسان، مرجعة مشكل الاكتظاظ إلى تمركز مصالح الولادة بالمستشفيات الكبرى وغياب عيادات تابعة لها، وهناك من أرجع مشكل الاكتظاظ الخانق الذي تشهده أقسام الولادة إلى توافد عشرات الحوامل من العاصمة وباقي ولايات الوطن على مصالح الولادة بمختلف مستشفيات العاصمة . وحسب رميساء – امرأة كانت على ساعات قليلة من الولادة- التقيناها بقاعة الانتظار بمستشفى بارني، فإن عملية الدخول إلى مصالح التوليد بمستشفيات العاصمة لا تتم إلا عن طريق الوساطة، حتى وإن ساعف الحظ إحداهن في الدخول إلى المصلحة ووضع حملها هناك، فلا يمكنها أن تعامل معاملة حسنة إلا إذا حظيت بمرافقة “أصحاب المعارف” وإلا فإن مكوثها بالمستشفى، نوع من المغامرة، ستدفع ثمنه غاليا -حسبها-.

.. رغم الظروف المهينة تبقى المستشفيات العمومية أحسن

والملاحظ خلال حديثنا مع العديد من السيدات وخاصة الحوامل أكدوا لنا أن المستشفيات العمومية أحسن بكثير من العيادات الخاصة، بالرغم من كل الظروف التي عايشوها في أقسام الولادة بالمستشفيات العمومية. من جهتها قالت امرأة أنها فضلت العيادة العمومية رغم النقائص بدلا من اللجوء إلى العيادات الخاصة التي أصبحت تتاجر بإجراء العمليات القيصرية المكلفة جدا، وتنقل المريضات بمجرد أن تصبح حالتهن صعبة إلى المستشفيات العمومية.

وقد أشارت سيدة أخرى إلى أن أغلب العيادات الخاصة تسعى إلى الربح المادي، ولذلك فإنها تخضع مريضتها إلى العمليات القيصرية حتى ولو كانت في غنى عنها دون وجود أسباب حقيقية وراء إجرائها، إلا أن هناك سببا متخفيا وراء اللجوء إلى هذه الطريقة من التوليد يكمن في وجود عدد كبير من السيدات اللواتي يوشكن على الوضع مقابل النقص الموجود في الأطباء ذوي الخبرة في التعامل مع حالات الولادة في حال ما إذا تعسرت، إضافة إلى المخاطر القليلة نسبيا التي تشكلها الولادة عموما.

على عكس ما أشارت إليه سيدة أخرى أم لتوأمين “المستشفى العمومي يعني الحاجة إلى “المعريفة” في أبسط الحاجيات، ناهيك عن تسريب الأدوية بطرق ملتوية والتعسف في التطبيق الغبي لقوانين غير مدروسة. كل هذه الأمور تجعلني أتعوذ من المستشفيات أكثر من المرض نفسه، وتجعلني أتجنبها كلما أمكن الاستشفاء بالعيادات الخاصة رغم الأسعار الخيالية التي تفرضها، أو الاستمرار في التعايش مع المرض، مؤكدة أن ما رأته في المستشفيات العمومية ، مجرد نسخة مكررة لأغلب المستشفيات.

لمياء. ب