استلمت المجالس البلدية الجديدة مهامها المحلية في ظرف صعب للغاية يؤججه فتيل المشاكل اليومية التي يعانيها المواطنون وحولتهم إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، نتيجة ضغوطات الحياة التي
يشكون منها لغياب كثير من متطلباتها، محمّلين “الأميار” مسؤولية وعود قطعوها على أنفسهم رغم الصلاحيات المحدودة جدا التي أضحت في أيديهم بعدما انتزعت منهم أهم الملفات التي تهم الشارع الجزائري من سكن وشغل وغيرها، وحتى المهام التي أضيفت إليهم لترافق العهدة الحالية تأخرت لموسم دراسي كامل ممثلة في التكفل بكل ما يحيط بتلاميذ الابتدائي الذين وجد بعضهم نفسه دون إطعام حتى من وجبة باردة.
بدا على الأميار الذين استماتوا لأجل الظفر بكرسي “المير” بانتهاج كل الأساليب المتاحة وغير المتاحة، وكأنهم مقبلون على ولوج عالم الأحلام، على النقيض التام لما يحيط فعلا بهذا الكرسي المفرغ من الصلاحيات باستثناء مهمّات إدارية وخدمات عمومية سطحية والذين بالكاد يحظون بسلطة تمكنهم من ترقية المنطقة التي ينتمون إليها حتى ولو أرادوا ذلك، ومن الأميار من توج للمرة الثانية لقيادة بلديته ورغم المشاكل التي صادفته خلال العهدة السابقة، إلا أنه أبى إلا أن يترشح مجددا ويظفر بأصوات المنتخبين، ما يطرح تساؤلا جوهريا حول نوايا هؤلاء في مناشدتهم منصب رئيس البلدية، هل فعلا يرضون بتبعات المسؤولية في سبيل خدمة منطقتهم أم أن الأمر له أسباب أخرى، وعلى العموم فإن المصوتين عليهم نصبوا أنفسهم كهيئة رقيبة مستعدة للانقضاض في أي لحظة، وهو ما سيشكل صداما مبكرا بين منتخبين بلا صلاحيات وفي عز الأزمة الاقتصادية ومنتخبين علقوا الكثير من الآمال متوقعين تحققها فور تنصيب ممثلهم على رأس البلدية.
ضغط كبير وملفات ثقيلة في مواجهة المنتخبين
يواجه رؤساء المجالس الشعبية البلدية الجدد، ضغطا كبيرا من المواطنين الذين يحلمون بسكنات لائقة وطرقات جيدة وأحياء نظيفة حرموا منها خلال العهدات السابقة، وباتت تركة ثقيلة يحملها هؤلاء الجدد، منهم من وعد بتحقيقها بمجرد تنصيبه على رأس الجهاز التنفيذي للبلدية، ومنهم من لم يدخلها في حساباته، غير أنه ملزم بتحقيقها وإلا ستطاله عديد الاتهامات من المواطنين الذين منحوه أصواتهم خلال الحملة الانتخابية.
ما تزال العديد من الملفات الهامة العالقة، تواجه “الأميار” الجدد، بينها سكنات “السوسيال”، الموّجهة لأصحاب الضيق الذين يعانون من أزمة سكن خانقة، حيث لم يتم نشر القوائم في العاصمة من قبل غالبية رؤساء البلديات السابقين الذين تماطلوا في تعليقها لعدة اعتبارات بينها مخاوفهم من الاحتجاجات التي يقوم بها المقصون في كل مرة تنشر فيها القائمة، والطرقات المهترئة التي تميز العاصمة، بما في ذلك النفايات التي باتت ديكورا تشهده أغلب أحياء وشوارع العاصمة، رغم الحملات والإمكانيات الكبيرة التي تسخرها مصالح ولاية الجزائر للقضاء عليها غير أن الوضع مستمر، وهو ما يجعل “الأميار” في ضغط كبير، لاسيما بالأحياء وبالبلديات التي تعرف هذه المشاكل، أين يأمل القاطنون بها حلها، في القريب العاجل من خلال تطبيقها ضمن برنامج رؤساء البلديات الجدد.
في سياق متصل، وبالعودة إلى ملف السكنات، الذي يعتبر من بين أهم الملفات العالقة التي يخاف منها العديد من “الأميار”، دليل ذلك أن أغلب البلديات لم تنشر القائمة وتم ترك مسؤولية ذلك للمنتخبين الجدد الذين سيعانون لا محالة من ضغط كبير من المواطنين الراغبين في الحصول على سكن اجتماعي لائق مثلهم مثل آلاف العائلات التي استفادت من شقق في إطار عمليات إعادة الإسكان، وهو ما يجعلهم مجبرين على ذلك لتفادي الاحتجاجات والاتهامات التي تلصق بهم بمجرد التماطل في نشر القوائم والإفراج عن المستفيدين.
أما فيما يخص ملف النفايات والطرقات المهترئة، فتبقى كذلك أهم المطالب التي يطالب بها هؤلاء، في كل مرة، أين يريد الكثير من قاطني أحياء الكاليتوس من “أميارهم” الجدد برمجة مشاريع للقضاء على معاناتهم في طرقات مهترئة مليئة بالحفر والمطبات التي تصعب من تحركاتهم اليومية، نفس الشيء بالنسبة للنفايات التي تبقى معضلة حقيقية طالما الإمكانيات الضخمة المادية والبشرية التي تسخرها المصالح المعنية للقضاء على كل ما يشوه العاصمة، لم تشفع لها في تخلص بعض البلديات من شبحها، وهو ما يأمل العديد من المواطنين في رؤية بلديتهم وأحيائهم نظيفة وجميلة خلال هذه العهدة الجديدة.
التكوين لمجابهة أزمة اقتصادية، مسؤوليات ضخمة ومحدودية الصلاحيات
لم تجد الوصاية من حل سوى التكوين لمجابهة الخلل المسجل على مستوى المجالس البلدية التي انتزعت منها كثير من الصلاحيات على الملفات الهامة بسبب كارثية تسييرها على مدار العقود الماضية، وهذا في ظل الظرف الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه الجزائر وجعلها تطالب الأميار بأن يتحولوا إلى مستثمرين ورجال أعمال ومسيرين تجاريين وكل ما من شأنه التسريع في خلق الثروة وإيجاد مصادر تمويل تخفف وطأة استنزاف مدخرات الخزينة العمومية، والبداية ستكون من خلال تدريسهم عن بعد من خلال تخصيص حصص للرفع من مستواهم، حيث ستعمل المجالس المحلية المنتخبة الحالية في ظل نظام جبائي مختلف تماما عن سابقه، وذلك من خلال قانون للجباية المحلية سيضفي وضوحا ودقة أكثر فيما يخص الإيرادات المتأتية إلى البلدية من أجل تلبية احتياجات سكانها وخلق جباية محلية، حيث ستعزز ترسانة قانونية أنماط تسيير هذه المجالس، تتمكن الجماعات المحلية من خلالها في المستقبل من التعامل مع تقنيات حديثة واعتماد تقنيات التسيير بالتفويض والامتياز والتسيير بالشراكة بين الجماعات المحلية والقطاعين العام والخاص.
التكفل الكامل بالابتدائيات مهام جديدة تفشل قبل انطلاقها
بعد المهام السطحية التي درجت عليها المجالس البلدية مؤخرا والتي لا تخرج عن إطار النظافة والإنارة والخدمة العمومية المتمثلة في المصلحة المدنية، أضيفت إليها مهمة أخرى خاصة بالابتدائيات بعدما أصبحت مسؤولة عن سير المطاعم المدرسية بدل مديريات التربية، وذلك بعد فشل العديد منها في استقطاب الممونين، إذ وبالرغم من أن الفصل الدراسي الأول يشارف على الانتهاء، لم يتناول التلاميذ ببعض البلديات أي وجبة، بعد أن كانوا يتناولون وجبات باردة في السنوات الماضية، ويبرز مظهر الفشل أيضا في مشكل نقص الموظفين بالمطاعم المدرسية، باعتبار أن هذا الأمر متروك إلى المصالح الولائية المكلفة بفتح مناصب عمل لتوظيف المستخدمين بالمطاعم، حيث يشكل ملف المطاعم المدرسية أول صداع لـ “الأميار” الجدد، ، إذ سيضطرون إلى فك ملف الإطعام المدرسي في أقرب الآجال، تفاديا لتكرار سيناريو الفضائح التي طبعت المطاعم المدرسية.
وفي هذا الإطار، حرصت الوصاية على إلزام الأميار ضمن تعليمة مستعجلة بضرورة التكفل بإنجاز وتسيير المطاعم المدرسية للابتدائيات وضمان نقل التلاميذ وتوفير التغذية المدرسية مع استفادتها من مخصصات مالية لهذا الغرض، حيث دعا وزير الداخلية رؤساء المجالس الشعبية لضمان السير الحسن لهذا المرفق مع احترام شروط الصحة والنظافة، والسهر على عدم انقطاع التمويل مهما حصل، مع العلم أنه يتسنى للبلديات تحسين الوجبات الغذائية للتلاميذ من ميزانيتها الخاصة، حسب إمكانياتها.
بين مطرقة المواطنين وسندان الحكومة
كلفت الحكومة الأميار بعديد المهام، وتكفّل الولاة بنقل جملة من التعليمات للمجالس البلدية الجديدة التي وجدت نفسها بين مطرقة المواطنين وسندان الحكومة التي أغقلت محدودية الصلاحيات المقدمة لها، منها أوامر والي العاصمة عبد القادر زوخ الذي شدد على ضرورة تطبيق القانون واسترجاع الوجه الحقيقي للعاصمة الذي تم فقدانه خلال العشرية السوداء، والحرص على إتمام المشاريع المبرمجة والعمل لمصلحة المواطن وتطبيق المخطط الاستراتيجي لتحويل العاصمة إلى جوهرة المتوسط، فضلا عن القضاء نهائيا على النقاط السوداء، في حين أمر وزير الداخلية بإعطاء الأولوية للمشاريع المنطلقة التي تعاني نقصا في الاعتمادات المالية، لإتمام إنجازها أو تجهيزها بغرض استغلالها، كما أكد على ضرورة صيانة الممتلكات غير المنتجة للمداخيل منها المدارس الابتدائية والمراكز المسحية والبنايات الإدارية ومواصلة الجهودات المبذولة بخصوص تثمين الممتلكات المنتجة للمداخيل، لمواكبة التغيرات الجديدة التي تتطلب البحث عن موارد مالية جديدة، بعد تراجع الدعم الذي كانت تقدّمه الخزينة العمومية للبلديات، في سياق الأزمة الاقتصادية، محملة البلدية مسؤولية تمويل نفسها بنفسها، عن طريق تثمين الموارد المحلية والرفع من غرامات التجاريين والصناعيين وكذا خلق مناطق نشاطات جديدة، ويعتبر تثمين الموارد المحلّية، لا سيما المحلات التجارية والأسواق المهجورة، وكذا مواقف السيارات العشوائية، أحد أبرز المصادر التي تضمن مداخيل إضافية للبلديات، كما لا ينبغي على المنتخبين الجدد، إغفال المصادر الناجمة عن تثمين الموارد السياحية، وتعوّل الحكومة على تحويل البلدية من هيئة إدارية مختصّة في استخراج الوثائق فقط واعتمادها على أموال الدّولة إلى بلدية اقتصادية بامتياز، من خلال مساعدتها في خلق مناطق نشاطات مصغّرة، من أموال الصندوق الوطني للتضامن والجماعات المحلية، وتكليف الأميار بلعب دور وزراء الاقتصاد والصناعة في استقطاب المشاريع الصغيرة والمتوسّطة والمصغّرة، من خلال إقناعهم بالامتيازات التي تُمكّن المتعاملين الاقتصاديين من تجار وصناعيين ورجال أعمال بالمنطقة من التنافس أكثر في الرفع من القدرة الإنتاجية وتوظيف أكبر عدد من العمال.
إسراء. أ