لقد صرَّحت وزارة الصحة بأننا نعيش الموجة الرابعة من جائحة كورونا، وأن من أسباب ذلك التراخي في تطبيق التدابير الوقائية كما أن هذا الوباءَ بقَدَرِ اللهِ، والأخذ بالإجراءات الاحترازية والوقائية الصادرة من جهات الاختصاص واجب في ظِلِّ هذا الوباء، كما أنَّ سيِّدَ وَلَدِ آدم محمد صلى الله عليه وسلم وهو إمام المتوكلين كان يأخذ الأسباب، وما غزواتُ الرسول صلى الله عليه وسلم إلاَّ مظهرٌ مِن مظاهر الأخذ بالأسباب، التي تجري حَسَب مشيئة الله وقَدَرِه، فقد أخذ صلى الله عليه وسلم الْحَذَرَ وأعدَّ الْجُيوش، وبَعَث الطلائعَ والعُيون وظاهرَ بينَ دِرْعين، ولَبِسَ الْمِغْفَرَ على رأسه، وأَقَعْدَ الرُّماةَ على فَمِ الشِّعْب، وخَنْدَقَ حولَ المدينة، وأَذنَ في الهجرةِ إلى الحبشةِ وإلى المدينةِ، وهاجرَ بنفسهِ واتخذ أسبابَ الحيطةِ في هِجرته، أعدَّ الرواحلَ التي سيمتطيها والدليلَ الذي يَصْحَبُه، واختبأَ مَعَ صاحبهِ في الغارِ، وكان إذا سافرَ في جِهادٍ أو عُمرةٍ حَمَلَ الزادَ والمزاد وهو سيِّدُ المتوكِّلين. فتيقَّن أنَّ قَدَرَ اللهِ واقِعٌ، ولا تترك إتباع السُّنةِ في الأخذ بالأسباب المشروعةِ، ولا تُعلِّق قلبكَ بها.
قال الشيخ ابنُ بازٍ رحمه الله: “التوكل يجمع شيئين: أحدهما: الاعتماد على الله والإيمان بأنه مُسبِّبُ الأسباب، وأن قَدَره نافذ، وأنه قَدَّر الأُمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى، الشيء الثاني: تعاطي الأسباب، فليس مِن التوكُّل تعطيلُ الأسباب، بل مِن التوكُّل الأخذ بالأسباب، والعمل بالأسباب، ومَن عَطَّلها فقد خالفَ شَرْعَ اللهِ وقَدَرَه، فاللهُ أمَرَ بالأسبابِ وحثَّ عليها سبحانه وتعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، فلا يجوزُ للمؤمنِ أنْ يُعطِّل الأسباب، بل لا يكونُ مُتوكِّلًا على الحقيقة إلاَّ بتعاطي الأسباب”. وليُعلم أنه لا يَحِلُّ لِمن أُصيب بهذا الوباء أن يُخالط الناس أو يَحضُر للمساجد فيتسبب بانتقال الوباء إلى غيره، قال عز وجل: ” وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ” الأحزاب: 58. وقال صلى الله عليه وسلم: “وفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ” رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: “لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ” رواه البخاري ومسلم.
ومن أنفع الاحترازات: التحصُّن بالتحصينات النبوية، ومنها: التوبةُ والاستغفار من الذنوب، وهو مِن أسباب دَفعِ الوباء ورَفْعِهِ وتخفيفه، قال تعالى: ” وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ” الأنفال: 33، وقال عزَّ وجل: ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ” الشورى: 30، ومنها: الفَزَعُ إلى ذكر اللهِ ودُّعائه والصلاة والصدقة: قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلم عندما خَسَفَت الشمس: “فإذا رأيتُم ذلك فادعُوا الله وكبِّرُوا وصَلُّوا وتصدَّقُوا” رواه البخاري، ومنها: التحصُّن بالأذكارِ والأوراد الشرعية كأذكار الصباح والمساء، ومنها: التعوُّذ بالله بأدعيته صلى الله عليه وسلم، كدعائه صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنَ البَرَصِ، والْجُنُونِ، والْجُذَامِ، ومِنْ سَيِّئِ الأسْقَامِ” رواه أبو داود.



