يقول تعالى: ” وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ” هود: 6. سبحان الله، خلق الخلق فأحصاهم عددًا وقسَّم أرزاقهم وأقواتهم، فلم ينس منهم أحدًا، فما رُفعت كف طعام إلى فمك وفيك إلا والله كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق السماوات والأرض، سبحان من رزق الطير في الهواء والسمكة والحوت في ظلمات الماء، سبحان من رزق الحية في العراء والدود في الصخرة الصماء، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي، فهو المتكفل بالأرزاق، كتب الآجال والأرزاق، وحكم بها فلم يعقب حكمه، ولم يُردُّ عليه عدله، سبحان ذي العزة والجلال، مصرف الشؤون والأحوال، وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه الحلال، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم. البركة في الأموال، والبركة في العيال، والبركة في الشؤون والأحوال، نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال، الله وحده منه البركة ومنه الخيرات والرحمات، فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه؛ قال تعالى: ” مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا ومَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” سورة فاطر: 2. يقول ابن القيم رحمه الله: “فرِّغ خاطرك لله بما أُمرت به، ولا تشغله بما ضمن لك، فإن الرزق والأجل قرينان مضمونان، فما دام الأجل باقيًا كان الرزق آتيًا، وإذا سدَّ عليك بحكمته طريقًا من طرقه، فتح لك برحمته طريقًا أنفع لك منه، فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو السرة، فلما خرج من بطن الأم وانقطع ذلك الحبل السُّري، فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقًا أطيب وألذ من الأول لبنًا خالصًا سائغًا، فإذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام، فتح طرقًا أربعة أكمل منها، طعامان وشرابان، فالطعامان من الحيوان والنبات، والشرابان من المياه والألبان، وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ، فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة، لكنه سبحانه فتح له إن كان سعيدًا مؤمنًا طُرقًا ثمانية وهي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئًا من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له، وليس ذلك لغير المؤمن، فإنه يمنعه الحظ الأدنى الخسيس ولا يرضى له به؛ ليعطيه الحظ الأعلى النفيس”.
موقع إسلام أون لاين