-
تشريع موحد لتبسيط الإجراءات واستعادة الثقة مع الفلاحين
-
دعم ميداني يواكب الإصلاح: تمويل مرن، تلقيح مجاني، وتموين مستمر
-
نحو منظومة عقارية واضحة تعزز الاستثمار وترفع قدرة الإنتاج الوطني
تستعد الجزائر لفتح صفحة جديدة في تنظيم العقار الفلاحي مع اقتراب عرض مشروع القانون الجديد على الحكومة، في خطوة تعكس توجها عمليا نحو معالجة واحدة من أعقد الإشكالات التي ظلت تعترض طريق الفلاحين والمستثمرين لسنوات.
ويأتي هذا النص التشريعي ليجسد إرادة السلطات العمومية في تبسيط الإجراءات، وتوحيد المساطر، وإرساء قواعد أكثر وضوحا واستقرارا داخل منظومة التسيير العقاري، بما ينسجم مع المقاربة الإصلاحية الرامية إلى دعم الإنتاج الوطني وترقية الاستثمار الفلاحي. وتمنح هذه الخطوة، التي تندرج ضمن مسار شامل للنهوض بالقطاع، إشارات إيجابية حول مرحلة جديدة عنوانها تسهيل الوصول إلى العقار المنتج، وتعزيز الثقة بين الإدارة والفاعلين، في أفق تقوية الأمن الغذائي الوطني ودعم التنمية الريفية. يمثل إعلان وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري عن قرب عرض مشروع القانون الجديد المنظم للعقار الفلاحي على الحكومة محطة مفصلية في مسار إصلاح القطاع، حيث يكشف هذا التوجه عن إرادة واضحة لإعادة ترتيب البيئة القانونية التي تحكم استغلال الأراضي الفلاحية. وجاء هذا الإعلان خلال جلسة علنية بمجلس الأمة، ما يعكس الطابع الرسمي والمؤسساتي للإجراء، ويمنحه وزنه كخطوة عملية في اتجاه معالجة ملف ظل لفترة طويلة في صدارة الانشغالات المرتبطة بالاستثمار الفلاحي وتطوير الإنتاج الوطني. وبحسب ما أعلنه الوزير، فإن صياغة المشروع تمت على يد لجنة وطنية مختصة عملت على جمع المقترحات وتحديد نقاط الخلل التي عانى منها الفلاحون في التعامل مع العقار المنتج، وهو ما يضفي على النص التشريعي طابعا واقعيا يستجيب لموضعيات ميدانية قائمة. ويستند المشروع إلى ضرورة تجاوز التباينات الإدارية وتعدد المرجعيات القانونية التي تسببت في تعقيد الإجراءات، ما جعله أقرب إلى أداة تنظيمية موحدة تمنح مسارا أوضح لمختلف المتعاملين في الميدان. ووفق الرؤية التي عرضها الوزير، فإن الهدف الأساس من هذا القانون هو توحيد الإجراءات وتبسيط المساطر المرتبطة بالحصول على العقار واستغلاله، بما يتيح للفلاحين والمستثمرين مناخا أكثر استقرارا ووضوحا. ويُنتظر أن يضع المشروع حدا للعراقيل التي أفرزتها كثرة الوثائق والإجراءات المتداخلة، ويقرب الإدارة من واقع الفلاح بطريقة عملية تقوم على المرافقة بدل التعطيل، وهو ما ينسجم مع سياسة الدولة الرامية إلى تحسين فعالية الخدمات العمومية في القطاعات المنتجة. وإلى جانب البعد التنظيمي، يحمل المشروع دلالات اقتصادية مهمة، إذ يُتوقع أن يشكل قاعدة لحفز الاستثمار الفلاحي، خاصة في الشعب ذات المردودية المرتفعة، من خلال تمكين أصحاب المشاريع من رؤية دقيقة حول وضعية العقار وضمانات استغلاله. فالإطار القانوني المستقر يعد عنصرًا أساسيًا في اتخاذ القرار الاستثماري، سواء بالنسبة لصغار الفلاحين أو للمؤسسات الفلاحية الكبرى، وهو ما يتيح توسيع رقعة الإنتاج وتعزيز القيمة المضافة للقطاع. وفي خلفية هذه الخطوة، يبرز إدراك السلطات العمومية لأهمية معالجة ملف العقار الفلاحي كشرط أساسي لتحقيق الأمن الغذائي الوطني، إذ لا يمكن فصل الجانب القانوني والتنظيمي عن بقية الإصلاحات الجارية في التمويل، التكوين، وتطوير سلاسل الإنتاج. وبهذا المعنى، يأتي مشروع القانون الجديد ليكون جزءًا من رؤية أشمل تستهدف رفع فعالية المنظومة الفلاحية وتقوية حضور الجزائر في سوق الإنتاج الزراعي، بما يدعم التوجه العام نحو اقتصاد أكثر تنوعًا واستقلالية.
مراجعة العلاقة بين الفلاح والإدارة.. نحو منطق المرافقة لا العرقلة

وجاء تأكيد وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري على ضرورة إعادة ضبط العلاقة بين الفلاح والإدارة ليشكل محورا جوهريا في مسار الإصلاح الجاري، حيث شدد على أن المرحلة المقبلة ستقوم على مبدأ المرافقة بدل التعقيد، في انسجام تام مع رؤية الدولة الرامية إلى جعل الإدارة شريكا مباشرا في تطوير النشاط الفلاحي. وقد عكست تصريحات الوزير توجها واضحا نحو تعزيز الثقة مع الفاعلين الميدانيين، من خلال انتقال تدريجي من إدارة إجراءات إلى إدارة نتائج، بما يضمن فعالية أكبر في تقديم الخدمة العمومية داخل قطاع حساس واستراتيجي. ويبرز هذا التحول في سياق سعي الوزارة إلى معالجة تراكمات السنوات الماضية، والتي شهدت تداخلا في الصلاحيات وتعددا في الوثائق وشروط الاستفادة، ما جعل الإجراءات الإدارية في كثير من الأحيان عبئا يعرقل انطلاقة مشاريع قابلة للنجاح. ومن خلال تبني مسار موحد وواضح، تتجه الدولة إلى تقليل الفوارق بين التعليمات المركزية والتطبيق الميداني، بما يسمح للفلاح بالحصول على خدمات أكثر سرعة، ويضع الإدارة المحلية في موقع أقرب للرقابة المسؤولة والمرافقة الفعلية بدل البعد البيروقراطي التقليدي. وجاء تعهد الوزير بإيفاد لجنة للتحقيق في بعض الممارسات المسجلة على مستوى مديرية المصالح الفلاحية بأولاد جلال ليعكس حرصا رسميا على ترسيخ مبدأ المتابعة والتصحيح عند الضرورة، في إطار احترام القانون وتنفيذ توجيهات الدولة. وقد اعتُبر هذا الإجراء رسالة مباشرة للفلاحين بأن الإصلاح لا يقتصر على النصوص بل يشمل أيضا واقع التطبيق، ما يضمن تطويق أي انحرافات قد تؤثر على مسار الاستفادة من الأراضي الفلاحية أو تعترض تقدم البرامج الاستثمارية. ويمثل ذلك خطوة إيجابية باتجاه تعزيز الشفافية وترسيخ ثقافة المساءلة المهنية داخل القطاع. وبالنظر إلى طبيعة النشاط الفلاحي الذي يقوم على الاستقرار وتخطيط المواسم والموارد، فإن إعادة صياغة العلاقة مع الإدارة ستسمح للفلاحين بالحصول على وضوح تنظيمي ينعكس على قراراتهم، سواء تعلق الأمر باقتناء العتاد، أو توسيع المساحات المستغلة، أو الالتحاق ببرامج الدعم التقني والمالي. ومع توفر هذه البيئة الجديدة، يصبح الفلاح قادرا على العمل بهامش أمان قانوني يجنبه التأخر أو تعطّل معاملاته، ويضعه في قلب المعادلة الوطنية للإنتاج والاستثمار في القطاعات الزراعية ذات الأولوية. ويعكس هذا التوجه في حد ذاته، قيمة مضافة لمسار ترقية الخدمة العمومية، إذ يؤسس لثقافة جديدة تقوم على الفعالية والإصغاء وتبسيط الخدمات، بما يتجاوب مع توجيهات الدولة الداعية إلى تحديث طرق التسيير وإعادة الاعتبار للقطاع الفلاحي كرافعة من روافع الاقتصاد الوطني. وبذلك، لا يبدو مشروع القانون خطوة معزولة بقدر ما هو فصل جديد في علاقة أكثر نضجا بين الفلاح والمؤسسة، يقوم على الاحترام المتبادل والثقة والمسؤولية المشتركة، في أفق بناء قاعدة قوية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاستقرار التنموي في المناطق الريفية.
إجراءات موازية لدعم الإنتاج: البذور، التمويل، وتأجيل المستحقات

في موازاة التحضير لاعتماد مشروع قانون العقار الفلاحي، تعمل الوزارة على تنفيذ سلسلة من الإجراءات العملية التي تستهدف تخفيف الأعباء المالية عن الفلاحين في المراحل الأولى من الموسم الفلاحي، حيث سمحت لهم باقتناء البذور مع تأجيل دفع المستحقات إلى ما بعد الحصاد. ويأتي هذا القرار استجابة لواقع ميداني يعرف ضغوطات موسمية ترتبط بارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يجعل توفير آليات تمويل مرنة خطوة أساسية لضمان انطلاقة فعالة للمشاريع الزراعية. وتعطي هذه الصيغة للفلاح هامشا من الوقت لتسويق محصوله واسترجاع نفقاته تدريجيا، بما يسمح له بتسيير أفضل لاستثماراته ومصاريفه التشغيلية. ويحمل هذا الإجراء مردودا اقتصاديا مهما على النشاط الزراعي، إذ يساهم في رفع نسبة المساحات المزروعة وتشجيع الفلاحين على توسيع دائرتهم الإنتاجية دون خوف من الأعباء المالية الفورية. كما يعكس ثقة المؤسسة في قدرة الفلاح على الوفاء بالتزاماته بعد نهاية الموسم، ما يعزز روح الشراكة بين الطرفين ويقوي العلاقة التفاعلية بين الدولة والمنتجين. وقد اعتبر متابعون للقطاع أن هذه الخطوة تُعد شكلاً من أشكال الدعم غير التقليدي الذي يجمع بين التشجيع والمرونة، دون المساس بالانضباط المالي أو بقواعد تسيير المال العام. وتتوافق هذه التسهيلات مع سياسة الدولة الرامية إلى تحسين شروط الاستثمار وتشجيع الإنتاج المحلي، خاصة في الشعب ذات الأولوية الاستراتيجية على غرار الحبوب والخضر والبقوليات. إذ يخلق هذا النظام المرن ديناميكية جديدة في الحقول الزراعية، ويعيد الاعتبار للفلاح الصغير والمتوسط الذي يواجه صعوبات في التمويل التقليدي بسبب محدودية الضمانات أو تذبذب مداخيل المواسم. وتتيح هذه الآلية إمكانية الانخراط في الدورة الإنتاجية دون عراقيل، بما يعزز فرص رفع الإنتاج وتقليل التبعية الخارجية في بعض المواد الأساسية. ولا يمكن فصل هذا التوجه عن الرؤية الوطنية المرتبطة بالأمن الغذائي، حيث يشكل تخفيف الضغط المالي على المنتجين خطوة أساسية لرفع قدرة المزارع على توفير الغذاء محليا، بما يساهم في تلبية احتياجات السوق الوطنية وتقليص فاتورة الاستيراد تدريجيا. كما يعزز القرار قدرة الفلاحين على الولوج إلى المدخلات الزراعية في الوقت المناسب، ما ينعكس إيجابا على جودة الإنتاج ومردودية الحقول، ويمنح القطاع قدرة أكبر على التفاعل مع التحولات المناخية والمستجدات الاقتصادية. وبشكل عام، تأتي هذه الخطوات العملية لتثبت أن مشروع القانون الجديد للعقار الفلاحي ليس مجرد معالجة للجانب القانوني والتنظيمي، بل هو جزء من مسار شامل لتحسين شروط الإنتاج وتخفيف الأعباء عن الفلاحين، في إطار رؤية تكاملية تجمع بين التشريع والدعم الميداني. وهو ما يجعل الإصلاح أكثر تماسكا وواقعية، ويمنح الفلاحين والمستثمرين رسالة واضحة مفادها أن الدولة ترافقهم في كل مراحل العملية الإنتاجية، من توفير المدخلات إلى تأمين الأرض وتقوية الأطر القانونية التي تحكم نشاطهم.
الثروة الحيوانية في قلب الإصلاح: تعريف رقمي وتجريم ذبح الإناث
ويشكّل تطوير شعبة الثروة الحيوانية محورا أساسيا في مسار الإصلاحات الجارية داخل القطاع الفلاحي، حيث كشف وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري عن إعداد مشروع نص تشريعي جديد يهدف إلى تنظيم تربية المواشي وفق معايير حديثة ومتقدمة. ويرتكز هذا التوجه على الانتقال من أساليب التسيير التقليدية إلى إدارة مبنية على البيانات والرقمنة والتتبع الميداني، بما يسمح بضبط حركة القطيع وتحديد احتياجاته بدقة أكبر. ويمثل هذا المشروع خطوة نوعية نحو تحديث النسيج الحيواني الوطني، انسجاما مع رؤية الدولة في تعزيز الموارد الفلاحية وتحويلها إلى مصدر إنتاج مستدام. وتبرز أهمية التعريف الرقمي للقطيع بوصفه أداة تنظيمية تتيح للسلطات متابعة الثروة الحيوانية على مستوى وطني، من خلال تسجيل وتتبع كل رؤوس الماشية وتحديد هويتها الجغرافية والإنتاجية. ويسمح هذا النظام بمراقبة الأمراض والأوبئة، وضبط مسارات التحويل والتسويق، إضافة إلى تمكين المربين من الاستفادة من برامج التلقيح والدعم بطريقة أكثر دقة وشفافية. ويُعد هذا الإجراء نقلة مهمة نحو إدارة عصرية للموارد الحيوانية، تسهّل التدخل عند الحاجة وتقلل من الهدر وتدعم تناغم سلاسل الإنتاج.
وترتبط هذه الخطوة أيضا بقرار تجريم ذبح إناث الماشية، وهو قرار يحمل بعدًا استراتيجيا ينسجم مع هدف الحفاظ على ديمومة القطيع الوطني وضمان استمرارية الإنتاج لعقود قادمة. فذبح الإناث في فترات حرجة يؤدي إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب وتراجع موارد التوالد، ما ينعكس مباشرة على وفرة اللحوم ومواد التغذية الحيوانية ومؤشرات الأمن الغذائي. ولذلك، يأتي التجريم كتدبير وقائي يضمن الحفاظ على قاعدة التكاثر وتقليص الفجوات التي قد ترفع الأسعار أو تزيد الضغط على السوق الوطنية. وفي السياق نفسه، شدد الوزير على أهمية التغطية البيطرية وتوسيع حملات التلقيح المجانية، حيث بلغ عدد رؤوس المواشي الملقحة ضد طاعون المجترات الصغيرة أكثر من 14 مليون و917 ألف رأس خلال السنة الجارية، من بينها أكثر من 12 مليون و882 ألف رأس غنم. وتدل هذه الأرقام على حجم المجهود الميداني الذي تبذله الدولة لحماية القطيع والحد من انتشار الأمراض، بما يحافظ على مردودية الإنتاج ويعزز ثقة المربين في المنظومة الصحية الفلاحية. كما يعكس ذلك حضورًا فعليًا للمؤسسات البيطرية في الميدان، وحرصًا على تقديم خدمة عمومية فعّالة للمربين. ويُمكن القول إن هذا المسار الإصلاحي لا يتوقف عند تحديث التشريعات، وإنما يشمل رؤية استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى بناء منظومة إنتاج حيواني أكثر توازنا واستقرارا. ومع تعزيز الرقمنة، وتكريس الحماية القانونية للقطيع، وتوسيع التغطية البيطرية، تتجه الجزائر نحو نموذج تنموي يربط بين استدامة الموارد وتحسين الإنتاج وتخفيف الضغط على الأسواق. وبذلك، تتعزز مكانة الثروة الحيوانية كرافد مهم في تحقيق الأمن الغذائي، واستثمار اقتصادي منتج يفتح آفاقًا جديدة للمربين والمستثمرين في الأرياف والمناطق ذات النشاط الرعوي.
م. ع









