يوم العلم في الجزائر.. احتفاء بابن باديس رائد النهضة الإصلاحية والمدافع عن الهوية الوطنية

يوم العلم في الجزائر.. احتفاء بابن باديس رائد النهضة الإصلاحية والمدافع عن الهوية الوطنية

احتفى الشعب الجزائري، اليوم السبت، بيوم العلم المصادف لذكرى وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس، رائد النهضة الإصلاحية الذي كرس حياته في الدعوة إلى التغيير الحقيقي الذي ينطلق من الفرد المتمسك بثوابت هويته والمحافظ على وحدة وطنه.

دعا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالمناسبة، الجزائريين إلى اعتبار يوم العلم فرصة للذكرى، ومحطّة للعبرة، وحافزا للوعي، ودافعا للتأمل، ومسلكا للإصلاح والمراجعة، باستظهار الفهم الأصيل، والفكر المتوازن النبيل، وتوخّي الوسطية في التعامل.

وقال الرئيس تبون في كلمته: “كما كانت على ذلك جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والمجهودات المباركة لشيوخ وأئمة الزوايا، الذين عملوا في كل ربوع الوطن لتكون الزوايا مناراتٍ للتعليم والإشعاع الروحي والحضاري، وحصنًا للهوية الوطنية، كما علينا استشراف المستقبل من خلال فهمٍ عميق لواقع العصر، ولمتطلبات الحياة، والتحكم في الـمعارف والـمهارات وتطبيقاتها التكنولوجية مع التشبث بالأصالة والتّوق للعصرنة”.

وأضاف الرئيس تبون: “إننا في هذه المناسبة الغالية ندعو شبابنا إلى العمل على حسن التحصيل، وعمق التأصيل، والمبادرة إلى التواصل الحضاري، والتمسك بوطنيتنا العلمية، التي يجب أن تبقى على مستوى عال من اليقظة أمام الحركية التي يشهدها العالم، والعمل بكل ما أمكن لتفادي هزيمة الفكر والانفتاح الايجابي على اللّغات والحضارات، والسّعي إلى التحكم في التقنيات، واستخدام آليات العصر، والتوجه بفعاليّة وهمّة، وبفكر نقدي راشد، إلى الابداع السّامي، والاكتشاف الرّاقي، بما تقتضيه حركة التنمية في وطننا المفدى”.

متحف المجاهد يتسلم أغراضا شخصية ووثائق خاصة بالعلامة بن باديس

تسلّم المتحف الوطني للمجاهد بمناسبة يوم العلم أغراضا ووثائق خاصة بالشيخ العلامة الإمام عبد الحميد بن باديس، في إطار مسعى الحفاظ على الذاكرة الوطنية وتخليدا لذكرى رحيل رائد النهضة الإسلامية في الجزائر.

وتتمثل هذه الأغراض التي قدمها شقيق الإمام بن باديس، السيد عبد الحق، ونجلة هذا الأخير، عضو مجلس الأمة، السيدة فوزية بن باديس، في قشابية وعكاز وإجازة القراءات السبع، إضافة الى كرسي وجلود للافتراش وبطانية وشهادة التطويع ودفتر التلاميذ للشيخ ومذياع من نوع .TSF

وبالمناسبة، قال شقيق العلامة ابن باديس الذي يفوق عمره الـ 100 سنة، إن مسؤولية الحفاظ على إرث الشيخ ابن باديس وكتبه وأغراضه “كبيرة جدا في ظل تبعثر هذا التراث على مستوى أماكن متعددة”، مشددا على أن هاجسه الوحيد هو “وضع هذه الأمانة بين أياد آمنة”.

 

دعوة إصلاحية رامية إلى الاعتدال

وبنى الشيخ ابن باديس دعوته الإصلاحية الرامية إلى “الاعتدال بإزالة الفساد”، على أسس التغيير الإيجابي المبني على دراسة الواقع وتصحيح الاعتقاد وتعليم الفرد الجزائري وحفظ الهوية والوحدة الوطنيتين، حيث كان يقول بهذا الصدد: “لا بقاء لشعب إلا ببقاء مقوماته”.

وقد انطلق في مشروعه الحضاري عام 1913 حين التقى بالحجاز مع رفيق دربه الشيخ البشير الإبراهيمي واتفقا على مباشرة الجهاد بسلاح العلم على جبهتين “الاستعمار الفرنسي والمتاجرين بالدين”، وذلك من خلال تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي رأت النور عام 1931.

وكان الإمام يؤمن بقوة الإعلام في مسعى التغيير، ولذلك أنشأ جريدة “المنتقد” عام 1925 وجعل شعارها “الوطن قبل كل شيء والحق فوق كل أحد”، إلى جانب جرائد أخرى على غرار “الشهاب” والبصائر” وذلك بغرض التأسيس لـ “ثورة فكرية” -مثلما وصفها المفكر روجي غارودي-، كانت مرجعا ودعامة لعدد كبير من قادة الثورة التحريرية وانعكست في بنود بيان أول نوفمبر.

وكان قوام هذه الثورة الفكرية ترسانة تعليمية متكونة -حسب بعض المراجع- من “نحو 124 مدرسة يؤطرها 274 معلما وضمت حتى سنة 1954 حوالي 40 ألف تلميذ، علاوة على إنشائه سنة 1947 بقسنطينة لمعهد ابن باديس الثانوي الذي كان يتولى تكوين المعلمين والطلبة”.

وقد وقف هذا التيار التعليمي الذي كان موجها للأطفال والكبار المنحدرين من مختلف الشرائح الاجتماعية، كسد منيع في وجه ممارسات المحتل الفرنسي وتصرفات الآباء البيض الرامية إلى استلاب الشعب وإحداث القطيعة بينه وبين هويته ورصيده الحضاري.

وقد أعطى الشيخ ابن باديس بعدا سياسيا واجتماعيا وثقافيا بارزا لمشروعه الإصلاحي، من خلال إرساء أسس تعليم اللغة العربية وأصول الدين وتشجيع بروز العديد من الجمعيات الثقافية والرياضية.

وفي شهادة سابقة للسيد عبد الحق بن باديس، شقيق العلامة المصلح والرئيس الشرفي لمؤسسته، قال إن الإمام “لم يكن يتردد في الجلوس إلى جميع الناس بكل فئاتهم، مركزا على نشر العلم للكبار والصغار نساء كانوا أو رجالا”، وأضاف أنه “أنهى تفسير القرآن الكريم سنة 1938 أي قبل سنتين من وفاته وكان يقدم يوميا ما لا يقل عن 15 درسا في تفسير القرآن وعلوم الدين”.

للتذكير، ولد العلامة عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس (الذي كان يوقع على مقالاته الصحفية بكنيته الأمازيغية “الصنهاجي”)، يوم 4 ديسمبر 1889 بقسنطينة في أسرة مشهورة بالعلم والثراء والجاه وأدخله والده في صغره لتعلم القرآن، فأتمّ حفظه في السنة الثالثة عشر من عمره على يد الشيخ أحمد أبو حمدان الونيسي.

وفى عام 1908 سافر إلى تونس لمتابعة تعليمه العالي في جامع الزيتونة، فنال عام 1912 شهادة التطويع، وكعادة الخريجين وقتها كان عليه أن يعلم في الزيتونة عاما واحدا، ليعود في عام 1913 إلى قسنطينة وشرع في العمل التربوي ليعود عشية الحرب العالمية الأولى إلى تونس، حيث تابع تحصيله العلمي في الزيتونة لبعض الوقت ثم انتقل الى الحجاز بغرض الحج ومكث في المدينة المنورة لمدة ثلاثة أشهر ألقى خلالها دروسا في المسجد النبوي.

وزار الإمام بعد مغادرته الحجاز، بلاد الشام ومصر واجتمع برجال العلم والأدب وزار الأزهر، قبل أن يعود إلى قسنطينة لمواصلة إلقاء الدروس على الكبار والصغار والتفرغ لمشروع تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

وفي سنة 1936 دعا إلى عقد مؤتمر إسلامي يضم كافة التنظيمات السياسية والشخصيات المستقلة من أجل دراسة قضية الجزائر، أسفر عن بعض المطالب التي رفعها رفقة بعض العلماء إلى باريس دون الحصول على أي رد إيجابي، حيث هدده وزير الحربية الفرنسي دلاديي بأن “لدى فرنسا مدافع طويلة”، فرد عليه الشيخ ابن باديس بالقول: “لدينا مدافع أطول، إنها مدافع الله”.

وفي صيف 1939 طلبت فرنسا الاستعمارية من جمعية العلماء المسلمين رسالة تأييد لها في حربها ضد ألمانيا، وعندها قال ابن باديس كلمته المشهورة: “والله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلا الله ما فعلت”، وبعد ذلك بعام، سلم الشيخ عبد الحميد بن باديس روحه إلى بارئها يوم 16 أفريل 1940 فخرج الجزائريون يودعونه في جنازة مهيبة كانت يوما مشهودا في تاريخ مدينة قسنطينة.

ق.م