الجزائر -أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الأربعاء، على ضرورة التعجيل بإصلاح المنظومة الأممية وتعزيز العمل متعدد الأطراف لمواجهة التحديات الراهنة، خاصة مجلس الأمن، حتّى يكون أكثر عدلا في التمثيل الجهوي للقارات.
وفي كلمة ألقاها بتقنية التواصل المرئي عن بعد، بمناسبة انطلاق أشغال الدورة العادية الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنعقد هذه السنة حول موضوع “المستقبل الذي نصبو إليه”، الأمم المتحدة التي نحتاجها: إعادة تأكيد التزامنا الجماعي بالتعددية – التصدي لكوفيد-19 من خلال إجراءات فعالة متعددة الأطراف”، جدد رئيس الجمهورية، تمسك الجزائر بالإصلاح الشامل للمنظمة الأمم المتحدة لتحسين أدائها وتحسين كفاءتها، وكذا تمسكها بموقف الاتحاد الإفريقي خلال توافق إيزلويني وإعلان سرت وضرورة التوصل لحلول سريعة بشأن التمثيل العادل في مجلس الأمن.
واغتنم الرئيس تبون الفرصة، خلال تقييمه لأداء منظومة الأمم المتحدة في ظل التحولات الراهنة، للتأكيد على “ضرورة التعجيل بإصلاح هياكل الأمم المتحدة، لاسيما مجلس الأمن، وتقوية العمل متعدد الأطراف من أجل مواجهة مختلف التحديات، على غرار الفقر والتنمية والأمراض والاتجار بالبشر والتغير المناخي ومكافحة الإرهاب”.
وقال في هذا الخصوص إن “منظمتنا التي أنشئت في أعقاب مأساة بشرية رهيبة، لا تزال أدوارها وأداؤها محل تباين بين نجاح وإخفاق، في ظل تحديات دولية متعددة ومتزايدة أبرزت الكثير من الاختلالات في النظام الدولي لاسيما في ظل الظروف الصحية الراهنة”.
وأكد الرئيس أنه “خلال 58 سنة مضت على انضمامها لمنظمة الأمم المتحدة، سعت الجزائر للدفاع عن السلم والأمن الدوليين من خلال بناء سياستها الخارجية حول مبادئ ترقية الحلول السلمية للنزاعات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها وحق الشعوب في تقرير مصيرها والتصرف في ثرواتها”.
وأضاف “كلنا اليوم فخر بالنتائج المحققة والتي أكدت أَن الوساطة المخلصة للدبلوماسية الجزائرية كانت محورية في حل العديد من الأزمات الشائكة والصراعات الإقليمية والدولية وهي لا تزال متجندة لخدمة هذا الهدف النبيل، مع الاحترام لقرارات الأمم المتحدة”.
متابعة عن كثب للوضع في مالي
وأوضح الرئيس أنه “بناء على هذه المقاربة، عملت الجزائر ولا تزال على التقريب بين الإخوة في ليبيا ودعوتهم للانخراط بشكل بناء في العملية السياسية برعاية الأممِ المتحدة من أجل الخروج من الأزمة وفقا لإرادة الشعب الليبي ورفض كل التدخلات الخارجية التي تعد مساسا بسيادته”، مشيرا إلى أن الجزائر ترحب بإعلاني وقف إطلاق النار المعبر عنهما مؤخرا، داعية الأطراف المعنية إلى ترجمته على أرض الواقع دون انتظار”.
وأكد رئيس الجمهورية أن “الجزائر تتابع عن قرب الوضع الحساس في مالي، البلد الجار والشقيق، وتضطلع إلى عودة سريعة للنظام الدستوري من خلال مرحلة انتقالية توافقية تكرس إرادة الشعب المالي وطموحاته في الأمن والاستقرار والتنمية”، مشيرا أن “الجزائر على قناعة بأن اتفاق السلم والمصالحة الوطنية، المنبثق عن مسارِ الجزائر يبقى الإطار الأمثل من أجل رفع تحديات الحكامة السياسية والتنمية الاقتصادية في هذا البلد الشقيق، بمرافقة حكيمة وصادقة من المجتمع الدولي”.
دعم مستمر وثابت للشعب الفلسطيني
وذكر رئيس الجمهورية أيضا بـ”أبرز الأسس العقائدية للسياسة الخارجية الجزائرية ودعمها للقضايا العادلة في العالم، بدءا بفلسطين والصحراء الغربية، فضلا عن مواقفها إزاء القضايا الجهوية والدولية ذات الأهمية، خاصة الأزمة الليبية والأزمة المالية، اللتين تبذل الجزائر جهودا كبيرة لحلهما بالطرق السلمية”.
وبخصوص القضية الفلسطينية، قال الرئيس تبون إن “القضية الفلسطينية تبقى قضية مقدسة بالنسبة للشعب الجزائر، بل أم القضايا، مؤكدا دعم الجزائر الثابت للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقه غير القابل للمساومة للتصرف أو المساومة في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، إيمانا من الجزائر بأن تسويتها تعتبر مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط”.
مطالب بتعيين مبعوث أممي جديد في الصحراء الغربية
وبخصوص القضية الصحراوية، عبر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عن أسفه للعقبات التي تعرقل تسوية المسألة الصحراوية، معربا عن أسفه “للتماطل في تعيين مبعوث أممي جديد إلى الصحراء الغربية”.
وقال إن الجزائر تدعو إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خاصة إجراء استفتاء تقريرِ المصيرِ في الصحراء الغربية المؤجل منذ أزيد من 29 سنة، والتعجيل في تعيين مبعوث للأمين العام الأممي وتفعيل مسارِ المفاوضات بين طرفي النزاع والتفرغ لتحقيق آمال شعوب المغرب العربي وإفريقيا في التنمية والاندماج.
تمسك بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف
كما جدد “تمسك الجزائر بالتزاماتها الدولية، سواء في مجال مكافحة الإرهاب وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وحماية البيئة أو في مجال العمل للحد من التسلح وعدم انتشار الأسلحة النووية، إلى جانب تعزيز الاندماج على الصعيدين المغاربي والإفريقي”.
وقال في هذا الخصوص إن “الجزائر تجدد التزامها بمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف باعتبارهما تهديدا جسيما للسلم والسلام والتنمية في العالم، وتدعو إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد وتبييض الأموال مع العمل على تنفيذ الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وخاصة فيما يتعلق بمسألة استرداد الأموال المنهوبة من الشعوب”.
و”في إطار التزامها الراسخ بصون وتوطيد السلم والأمن الدوليين – يضيف الرئيس – تساهم بلادي بشكل ناشط ونشيط في الجهود الدولية في مجال نزع السلاح ومنع انتشاره”.
وأكد أن “الجزائر التي عانت ولا تزال من العواقب الوخيمة الناجمة عن التفجيرات النووية التي أجريت على أرضها إبان الاستعمار، لمقتنعة بأن القضاء التام على الأسلحة النووية يبقى الضمان الوحيد لمواجهة مخاطرها على الإنسانية، كما أن للجزائر اهتماما كبيرا لقضايا البيئة وتجدد التزامها بكافة الاتفاقيات ذات الصلة وتبذل جهدا وطنيا رغم مواردها المحدودة، لا سيما من خلال إدراج الجوانب البيئية في السياسات العامة للدولة. وبالإشارة إلى المسؤولية التاريخية للبلدان المتطورة بخصوص هذا الملف، فإننا نجدد الدعوة لتعزيز الدعم التقني والمالي للدول النامية لمواجهة الأخطار البيئية التي تحدق بها”.
خطى ثابتة نحو ترسيخ دعائم الديمقراطية
وفي معرض حديثه عن السياسة الداخلية، أشار رئيس الجمهورية بصفة خاصة إلى أن الجزائر “دخلت عهدا جديدا غداة الحراك السلمي المبارك الذي سيتجسد عبر تنظيم استفتاء في الفاتح من نوفمبر 2020 حول مراجعة الدستور”، موضحا أن “الدستور – إذا ما صوت عليه الشعب – سيرسي ركائز نظام ديمقراطي حقيقي ويضع أسس دولة القانون بما يضمن التوازن بين السلطات وحماية الحقوق والحريات وأخلقة الحياة العامة”.
وفي هذا الخصوص، قال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إن الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو تجسيد دولة القانون وترسيخ دعائم الديمقراطية عقب التغيير الديمقراطي الذي جاء من خلال حراك سلمي مبارك، مضيفا أن الجزائر قطعت في ظرف أشهر مسارا طويلا من أجل بناء جزائر جديدة آمنة.
وذكر أنه سيتم تنظيم استفتاء على مشروع تغيير الدستور في الفاتح من شهر نوفمبر المقبل، مؤكدا أن هذا المشروع يكفل حماية الحقوق والحريات ويحقق التوازن بين مختلف السلطات وأضاف أن اختيار هذا التاريخ له رمزية قوية تحمل معاني الوفاء لتضحيات الشهداء.
كما كشف رئيس الجمهورية عن أن الجزائر تشرف على الانتهاء من وضع إطار وطني خاص بمؤشرات قياس درجة تحقيق أهداف التقدم في التنمية المستدامة، كما سيتم قريبا العمل على إدراج أجندة 2030 للتنمية المستدامة في قوانين المالية السنوية وخلق إطار قانوني يساهم في تفعيل وتسهيل عمل كل الفاعلين في هذا المجال، مشيرا إلى أن الظرف الصعب الذي فرضته جائحة كوفيد-19 لم يثن الجزائر عن مواصلة جهودها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أمين.ب










