مرحلة جديدة فرضت فيها مؤسسات الدولة وجودها في صورة كرّست معاني القطيعة مع الممارسات الماضية

2021.. عام الانتخابات واستكمال بناء المؤسسات

2021.. عام الانتخابات واستكمال بناء المؤسسات

يمكن وصف 2021، بعام الانتخابات واستكمال بناء مؤسسات الدولة، حيث دخلت البلاد بعد الانتخابات التشريعية والمحلية في مرحلة جديدة فرضت فيها مؤسسات الدولة وجودها في صورة كرست بكل ما تحمله المعاني القطيعة مع الممارسات الماضية

وبعد أن بدأت مرحلة التغيير “الجذري” في 2020 بخطوات متثاقلة بفعل مطبّات جائحة كورونا، أنهت الجزائر عام 2021 بـ”شوط التغيير السياسي” ومعه تفكيك ما يعرف بـ”ألغام النظام السابق”.

 

التشريعيات.. الجزائريون يختارون ممثليهم بكل شفافية

الجزائر: الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية المبكرة ترحب بالنتائج

دُعيَ الجزائريون مرتين إلى صناديق الاقتراع، الأولى لانتخاب المجلس الشعبي الوطني، والثانية لاختيار أعضاء المجالس المحلية، وهي انتخابات مبكرة نجمت عن حلّ المجالس السابقة التي تعدّ من إرث النظام السابق.

ولم تكن هذه الانتخابات بالروتينية، لأنها شكلت بداية تأسيس لعهد جديد في البلاد، يكرس القطيعة مع ممارسات الماضي التي كان يسود فيها التزوير الانتخابي، واستعمال المال لشراء المقاعد، وتدخل الإدارة بشكل فاضح في العملية الانتخابية، ما يعيد الثقة تدريجيا وفق هذه النظرة للمواطن في المؤسسات المنتخبة. وشكلت الانتخابات التشريعية رهانا خاصا للرئيس عبد المجيد تبون، كونها تمثل محطة في مسار الإصلاحات السياسية التي سبقها تعديل الدستور الذي استفتي عليه الجزائريون السنة الماضية، والذي أبقى على شكل النظام الرئاسي، مع تفصيلات جديدة، تميز بين الأغلبية الرئاسية التي يعين فيها الرئيس، الوزير الأول وبين الأغلبية البرلمانية التي ينبثق عنها الوزير الأول في حال وصلت أغلبية معارضة للبرلمان. وتصدرت الأحزاب التقليدية نتائج الانتخابات التشريعية عبر مختلف الولايات وحافظ حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، بالإضافة إلى حركة مجتمع السلم على تصدرهم. كما أشارت إلى إحداث كل من حزب المستقبل وحركة البناء المفاجئة بتفوقهم وحصولهم على مقاعد في عدة ولايات. واعتمدت الانتخابات التشريعية لسنة 2021 على طريقة جديدة لفرز القوائم واحتساب أصوات الناخبين تطبيقا للقانون الجديد للانتخاب. وتتمثل أهم صلاحيات البرلمان في مراقبة عمل الحكومة طبقاً للمادة 115، وإنشاء لجان تحقيق في قضايا ذات أهمية ومصلحة عامة من خلال المادة 157، وأيضا طرح الأسئلة الشفوية والكتابية وفق ما تنص عليه المادة 158، إضافة إلى المادة 160 التي تنص على أنه يمكن لأعضاء البرلمان استجواب الحكومة في أي مسألة ذات أهمية وطنية، والمادة 161 التي تتحدث عن إمكانية تصويت البرلمان، بعد مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة.

 

حكومة جديدة بواجهة اقتصادية لمواجهة التحديات

أفرزت الانتخابات التشريعية أحزابا شكلت المعالم الكبيرة للتشكيلة الوزارية، أبرزها شخصية الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن.

وقبل ذلك شرع رئيس الجمهورية في مشاورات سياسية، قبيل تشكيل الحكومة، مع قادة الأحزاب السياسية وممثلي الأحرار الفائزين في انتخابات نواب المجلس الشعبي الوطني، حسب ترتيب النتائج النهائية التي أعلن عنها المجلس الدستوري. وكُلف الوزير الأول أيضا، بتسيير قطاع المالية، من أجل دحض التناقضات على مستوى الوزارات، وضمان مرونة في التنفيذ وسلاسة في التسيير وتطبيق المشاريع خاصة أن المرحلة تستلزم تفكيك ألغام الأزمة المالية بالدرجة الأولى والبحث عن مصادر جديدة للتمويل، في حين يرى مراقبون، أنه كان من الأفضل اعتماد وزارة للاقتصاد بدل المالية، تجمع بين وزارات المالية والتجارة والصناعة. واختار الرئيس تبون، الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن، واحتفظ به بصفته وزيرا سابقا للمالية، وملما بالملفات النقدية وتعقيداتها، ومدركا جدا بصعوبة الوضع المالي، وضرورة مواصلة المشاريع خلال المرحلة المقبلة.

 

الانتخابات المحلية.. آخر محطات التغيير

الجزائر: تمديد فترة إيداع قوائم الترشح للانتخابات المحلية لساعات

ومع اقتراب نهاية السنة وفي جزئها الأخير، خاضت الجزائر مرحلة أخرى من فصل استكمال بناء مؤسسات الدولة والمتمثلة في الانتخابات المحلية التي جرت في أجواء سادتها المنافسة والشفافية بشهادة داخلية وخارجية، أفرزت وجوها ستمثل المواطن الجزائر على المستوى المحلي.

وحصل حزب جبهة التحرير على 5978 مقعدا، يليه التجمع الوطني الديمقراطي بـ4584 مقعداً. وحقق الأحرار مفاجأة بتربعهم على المركز الثالث للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الجزائرية، بحصولهم على 4430 مقعداً في البلديات. أما جبهة المستقبل حققت نتيجة تاريخية في المركز الرابع بعد فوزها بـ3260 مقعداً. وحصل البناء الوطني على 1848 مقعداً، يليه حركة مجتمع السلم بـ1820 مقعداً في المجالس البلدية. وعن نتائج انتخابات المجالس الولائية، فقد تصدرت أيضا، جبهة التحرير الوطني بـ471 مقعداً، ثم المستقلون بـ434 مقعداً، وثالثاً التجمع الديمقراطي بـ366 مقعداً، وجبهة المستقبل بـ304 مقعداً. وتراجعت حركة مجتمع السلم، حيث حصلت على 239 مقعد، ثم حركة البناء الوطني بـ230 مقعد.

 

2021 سنة رحيل الرؤساء

242358835_387379259511632_1610777849395781816_n

وافت المنية خلال السنة الجارية وجوه سياسية ثقيلة تركت بصماتها على الساحة الوطنية، ففي 18 سبتمبر2021، رحل الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، في صمت ليوارى الثرى في مقبرة العالية، بعد أزيد من سنتين من الحراك الشعبي الذي أسقط العهدة الخامسة، وأنهى 20 سنة من حكم وزير الخارجية الأسبق الطموح الذي عاد للجزائر بعد 20 سنة من حكمه أثارت جدلا واسعا بعدما خلّفته من فساد خصوصا خلال العهدتين الأخيرتين. وبعد أقل من أسبوع رحل رئيس الدولة السابق عبد القادر بن صالح، ففي صبيحة 22 سبتمبر 2021، توفي الأمين العام السابق للأرندي ورئيس مجلس الأمة بمستشفى عين النعجة العسكري، متأثرا بمضاعفات إصابته بمرض عضال. من جهة ثانية سجلت 2021 رحيل أسماء رسمية عديدة على غرار وفاة رئيس الحكومة الأسبق، عبد الحميد براهيمي، المعروف بتفجير قضية اختلاس 26 مليار من عائدات النفط تورط فيها مسؤولون كبار في الدولة. ووفاة محمود خوذري الوزير السابق للعلاقات مع البرلمان. والنائب السابق عن ولاية بجاية شافع بوعيش.

 

سنتان من عهدة الرئيس تبون: تجديد المؤسسات الدستورية ومباشرة الإصلاحات

تمكنت الجزائر، منذ اعتلاء السيد عبد المجيد تبون، كرسي رئاسة الجمهورية قبل سنتين، من تحقيق أهم التوازنات الكلية وتجديد المؤسسات الدستورية، في إطار تكوين قاعدة انطلاق صلبة لجزائر جديدة تستعد خلال العام الداخل للانتقال إلى إصلاحات هيكلية هامة.

وبخطى ثابتة ومدروسة، وفي ظل ظروف صحية استثنائية ومعطيات اقتصادية صعبة، استطاعت الجزائر في أولى سنتين من عهدة السيد تبون الذي انتخبه الجزائريون رئيسا للجمهورية في الرئاسيات، أن تحقق رهان الاستقرار السياسي والاجتماعي، الذي سمح بمباشرة تغييرات أساسها دستور جديد زكاه الشعب في نوفمبر 2020، وكان أكبر ورشة استندت عليها باقي الإصلاحات التي تعهد بها الرئيس تبون أمام الجزائريين من خلال التزاماته الـ54. هذه الالتزامات التي “لم تكن مجرد وعود انتخابية”، بل مشروعا وطنيا أثبت رئيس الجمهورية تمسكه بتجسيده في أول خطاب للأمة عقب أدائه لليمين الدستورية بتاريخ 19 ديسمبر 2019، حين أعطى أبرز ملامح الجزائر الجديدة التي “ستلبي التطلعات المشروعة للشعب نحو التغيير الجذري لنمط الحكم وفق ترتيب دقيق للأولويات” وذلك ب”طي صفحة الخلافات ووضع اليد في اليد”، من أجل بناء جمهورية “قوية ومهيبة الجانب” واسترجاع “مكانتها بين الأمم” عبر انتهاج “استراتيجية شاملة” تهدف إلى “استعادة الشعب لثقته في دولته والالتفاف حولها” من خلال “مكافحة الفساد وإعادة بعث النمو الاقتصادي”. من بين ما رسخ في أذهان الجزائريين، عقب ذلك الخطاب، قول رئيس الجمهورية: “شجعوني إذا أصبت وقوموني إذا جانبت الصواب”، ليؤسس عقب ذلك عدة قنوات للحوار المباشر مع مختلف أطياف الطبقة السياسية والحركة الجمعوية التي أدلت بدلوها في دستور 2020 وفي تشكيل أول حكومة في إطار التغيير الشامل الذي مس تركيبة المجلس الشعبي الوطني عقب تشريعيات يونيو 2021 وطال المجالس الشعبية البلدية والولائية عقب محليات نوفمبر 2021، وخلص إلى ترقية المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية مستقلة وواسعة الصلاحيات. وتكرس في ظرف زمني قصير، مبدأ “الصوت المسموع” الذي أعطى من خلاله الرئيس تبون الفرصة لكل جزائري مهما كان اختصاصه ومجاله وانشغاله أن يسهم بقدر استطاعته في مرحلة إعادة البناء، وقد تجسد هذا من خلال الإشراف الشخصي لرئيس الجمهورية على عدة لقاءات ومناسبات جمعت بين ممثلي السلطات العمومية والإدارة والطبقة السياسية والاقتصاديين ورجال الأعمال والحركة الجمعوية، انتهت كلها بتوصيات عملية وجدت سبيلها إلى التطبيق على أرض الواقع بفعالية غير مسبوقة، لأنها اعتمدت على لغة “الصراحة” لا غير، وتطرقت إلى كل الجزئيات “دون طابوهات”.

أيمن.ر