O a s… فنون الإبادة والقتل الجماعي…جنون إرهابها أتى على كل ما يتحرك

 تفاجأ الأوروبيون من الأقدام السوداء صبيحة 16 سبتمبر 1959، عندما استيقظوا على خطاب شارل ديغول المقر بحق تقرير المصير للجزائريين، هذا الذي اعتبروه خيانة كبرى، ما أدى بجوزيف أورتيز إلى إنشاء الجبهة الوطنية الفرنسية، هذه الأخيرة مكونة من حركى ومتمردين ومجموعات مسلحة صغيرة من أجل الانقلاب علي ديغول الذي خانهم حسب نظرهم وخضع لمطالب الجزائريين المسلمين بالاستقلال.

وفي إطار التنسيق المحفوف بالسرّية، التقى “جون جاك سوزيني” و”بيار لغيار” يوم 10 فيفري 1961 في مدريد، أين تم تأسيس تنظيم إرهابي جديد يحمل اسم منظمة الجيش السري O.A. S كبديل لكل التنظيمات السياسية العاملة على ترجيح فكرة “الجزائر فرنسية”، ترأسها الجنرال المتقاعد “صالان” بمساعدة الجنرال ” جوهو” و”غاردي” و”سوزيني”.

وبعد فشل انقلاب الجنرالات الأربعة، شال وجوهو وزيلر وصالان في 22 أفريل 1961، شرعت الحكومة الفرنسية في عملية تفتيش وملاحقة واسعة شملت العناصر المتطرفة، غير أن تواطؤ بعض أجهزة الشرطة المشكلة أساسا من الأقدام السوداء حال دون نجاح العملية، ما أتاح مجالا أوسع لعناصر منظمة الجيش السري وفي مقدمتهم ” جوهو “، “غاردي “، “سرجون”، “فرندي “، ” بيريز” ، “غودار” وغيرهم لإعادة تنظيم صفوفهم من جديد بأن قادوا سلسلة من الاتصالات السرية، انتهت بعقد اجتماعات تحضيرية في متيجة والعاصمة.

وعلى إثر اجتماع سري بالعاصمة في 1 جوان 1961 تمّ تبني الهيكل التنظيمي للمنظمة المعروض من قبل العقيد غودار، حيث ألح هذا الأخير على وجوب تعميمه في كل مدينة وقطاع، على أن المجلس الأعلى لمنظمة الجيش السري (C.S.O.A.S) يمثل رأس الهيكل التنظيمي ويضم: صالان، غاردي، غودار، بيريز وسوزيني. كما تعتبر المنظمة البوتقة التي انصهرت فيها مختلف التنظيمات الإجرامية مثلما تضمنه أول منشور لها والداعي إلى دمج كل الحركات السرية المقاومة في التنظيم المذكور. كما تم ضبط برنامج منظمة الجيش السري تضمن الأهداف والوسائل، واتخذ الصليب شعارا لها، وكانت تدافع عن أسطورة “الجزائر فرنسية”. كما عبأت الرأي العام الفرنسي حول فكرة الحفاظ على الجزائر فرنسية، إضافة إلى التصدي لسياسة ديغول ومحاولة الإطاحة بنظام، وعرقلة المفاوضات بإشاعة الرعب وممارسة التهديدات و الضغوطات على حكومة ديغول.

وكان على رأس التنظيم الإرهابي البشع، القائد العام روجر ديجلدري و بيير ديلوم، المسؤول عن العمليات، دلتا 1 ألبرت دوفسار، دلتا 2 يلفريد سكليدرمان، دلتا 3 جين بيير راموس، دلتا 4 الملازم جين لوب بلانشي، دلتا 5 خوسيه غينر، أو “يسوع باب الواد، دلتا 6 غابرييل أنجليد، دلتا 7 جاك سينته، دلتا 9 جو ريزا، دلتا 10 جوزيف إدوارد سلامه، دلتا 11 بول مانسيلا، دلتا 24 مارسيل ليجيه، دلتا 33 جاك بيكسيو.

 

جاءت بسبب اقتراب تبخر حلم الجزائر الفرنسية

منظمة الجيش السري كانت البوتقة التي انصهرت فيها مختلف التنظيمات الإجرامية بعد أن أحسوا باقتراب ساعة انهيار حلمهم القائم على أسطورة “الجزائر فرنسية”، فحاولوا الوقوف ضد التطور الحتمي للقضية الجزائرية بارتكاب جرائم عديدة في حق الشعب الجزائري والممتلكات العمومية واستهداف حتى الفرنسيين الذين لم يسايروهم، وبقدر ما كان لهذه المنظمة من تأثير في إيجاد ضمانات للأقلية الأوروبية في المفاوضات بقدر ما كان لها الأثر السلبي على فكرة بقائهم في الجزائر ما بعد الاستقلال، وبعد الجرائم التي ارتكبتها هذه المنظمة فضل الكثير من الأوروبيين الرحيل، كما استطاعت منظمة الجيش السري وضع هيئة مهمتها الاستعلام والحرب النفسية والسياسية وتخطيط العمليات العسكرية ونشر شبكة من الخلايا في مختلف شرائح المعمرين والأجهزة الأمنية.

 

2293 تفجير و700 ضحية في 6 أشهر

واعتمدت هذه المنظمة الإرهابية على استهداف عدد كبير من الجزائريين من مختلف الشرائح، قتل المساجين في زنزانات مراكز الشرطة مثلما وقع في مركز شرطة حسين داي، تنفيذ سلسلة من التفجيرات قدرت بنحو 2293 تفجير بالعبوات البلاستيكية خلال الفترة الممتدة ما بين سبتمبر 1961 ومارس 1962 أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 700 ضحية، تصعيد العمل الإجرامي للمنظمة بعد التوقيع على وقف إطلاق النار، من ذلك إطلاق عدة قذائف مدفعية على أحياء سكنية بالقصبة السفلى يوم 20 مارس 1962 أودت بحياة 24 شخصا و59 جريحا وتفجير سيارة ملغمة قرب ميناء الجزائر، ما خلّف 62 قتيلا و 110 جريحا في صفوف العمال الحمالين، بالإضافة إلى الحرق العمدي للمؤسسات منها ما أصاب مكتبة جامعة الجزائر في 7 جوان 1962 حيث أتى على أزيد من 600 ألف كتاب، وحرق مكاتب الضمان الاجتماعي و المدارس والمستشفيات، ورغم محاولاتها الوقوف ضد التطور الحتمي للقضية الجزائرية إلا أنها فقدت كل الأمل في تحقيق أهدافها، بعد ما وقع الإعلان عن الاتفاق بين جبهة التحرير الوطني ومنظمة الجيش السري في 17 جوان 1962 كما أذيع البث السري لـ جون جاك سوزيني بتاريخ 19 جوان 1962. وبقدر ما كان لهذه المنظمة من تأثير في إيجاد ضمانات للأقلية الأوروبية في المفاوضات، فقد أثرت سلبا على مصير بقائهم في الجزائر المستقلة.

 

لا تعرف المباح من المحرم

كما أباحت المنظمة الإجرامية كل الوسائل لتحقيق أهدافها، خاصة تخريب المصالح الحيوية، التصفية الجسدية للإطارات الجزائرية، اغتيال المؤيدين لسياسة ديغول،  أعمال السطو والنهب على البنوك ومصالح البريد، تأسيس فروع للمنظمة في فرنسا، تشكيل ميليشيات يؤطرها أساسا ضباط متقاعدون وبعض الغلاة من الأقدام السوداء، خلق جو من الإرهاب المنظم، توزيع المناشير التحريضية واستعمال البث السري الإذاعي والكتابات الجدارية والقتل الجماعي والفردي لكل من يعترض برنامجها.

 

“كوموندوز دلتا”… فرقة الموت للجيش السري

تنظيمات “كوموندوز دلتا (Commandos Delta) ” هي فرق اغتيال كانت تحت قيادة منظمة الجيش السري (OAS) في الجزائر خلال أوائل ستينيات القرن العشرين. وقد “حظرت” هذه الفرق الأحياء الأوروبية عن طريق اغتيال المسلمين الذين يدخلون إليها، حيث نظمها روجر ديجلدري عام 1961 وتدل “دلتا” على ديجلدري، وهو ملازم ثانٍ فر من الفيلق الأجنبي الفرنسي في عام 1961.

وقد تم تحميل تنظيمات كوماندوز دلتا المسؤولية أيضًا عن اغتيال الأشخاص الذين كانوا يعدون “متساهلين” أو خونة لقضية الاحتلال الفرنسي للجزائر. ومع هذا، انتشر الادعاء بأن عددًا من عمليات القتل قد وقع على يد قوات الأمن بالمديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) لتشويه سمعة منظمة الجيش السري، ونفذتها خدمة العمل المدني أو مجموعة اليد الحمراء (Red Hand) المسلحة، ولذلك، فمن غير الممكن التحديد بوضوح أي الأفعال التي يمكن نسبتها لفرق كوماندو دلتا في ذلك الوقت الذي كان يتسم بالفوضى.

 

 

معركة باب الوادي

كانت معركة باب الوادي من 23 مارس إلى 6 أفريل 1962 في الأساس معركة بين الدرك المتنقل الفرنسي وقوات الكوماندوز دلتا التابعة لمنظمة الجيش السري، حيث استخدم الفرنسيون المدرعات إم 8 غراي هوند للسيطرة على مخارج المدينة، بينما تمت مراقبة الأبنية المشتبه بها من الجو عن طريق طائرات تي-6 وتي-28 التي أقلعت من القاعدة الجوية بوفاريك. وقصفت أربع طائرات تي-6 الأسطح قصفًا كاسحًا لإخلائها من القناصين بعدما أسقطت طائرات الهليكوبتر الحربية قذائف الشظايا بالغازات المسيلة للدموع.

 وكان جزءًا من خطة الهجوم توفير دعم مدفعي بحري من المدمرات من الفئة تي 47 سيركوف وماليه بريزيه، بالرغم من أنه أصبح واضحًا بعد فترة وجيزة أن هذه الخطة لم تكن عملية وتم إلغاؤها على الفور. ونقلت معظم القوات التي حاصرت الحي جوًا إلى الجزائر بواسطة هذه المدمرات في 2 مارس.

ودعمًا لمدينة باب الوادي، زحف 200 فرد من جماعات التمرد التابعة لمنظمة الجيش السري من مدينة الجزائر إلى منطقة الونشريس الجبلية الواقعة بين مدينتي وهران والجزائر، وحاولوا السيطرة على نقطتين عسكريتين فرنسيتين والحصول على الدعم من القبائل المسلمة المحلية الموالية لفرنسا، ولكن بدلاً من ذلك تعرضوا لغارات متكررة وأخيرًا هزموا على يد وحدات الفيلق بقيادة ألبرت بروثير بعد أيام عديدة من القتال واعتقل على إثرها الجنرال إدموند جوهوود (مساعد قائد منظمة الجيش السري راؤول سالان وقائد منظمة الجيش السري الوهراني، فرع وهران من منظمة الجيش السري) في فندق وهران البانورامي مع مساعده القائد جوليان كاميلين.

حسب ما ذكر المؤرخ بنيامين ستورا، فقد قتل 35 شخصًا خلال معركة باب الوادي وجرح حوالي 150 آخرين، وقتل 6 جنود فرنسيين على يد منظمة الجيش السري في الكمين السابق.

 

 

تفجيرات ميناء الجزائر

كما نفذت عناصر منظمة الجيش السري في 2  ماي 1962 هجوما على ميناء الجزائر، حيث قتل 62 عاملا جزائريا، وأصيب أكثر من 250 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة وأغلبهم من الشباب الذين جاءوا للمطالبة بمنصب شغل في الميناء.

وحسب شهادات المؤرخين، فقد قام عناصر من منظمة الجيش السري الفرنسي، بتفجير سيارة مفخخة على الساعة السادسة و عشر دقائق صباحا، أمام مركز توظيف عمال الموانئ، وتزامن هذا التفجير وأعمال إجرامية أخرى مع الإعلان عن وقف إطلاق النار رسميا بين الجزائر وفرنسا في 18 مارس 1962.

ولم تكن مجزرة الأربعاء يوم 2 ماي 1962 الأولى في سجلات جرائم المنظمة الإرهابية “منظمة الجيش السري OAS))، بل سبقتها مجازر أخرى، وزادت وتيرة العمليات الإرهابية التي نفذتها الـ “أو.آ.آس” ضمن استراتيجية الأرض المحروقة، منذ إمضاء اتفاقيات وقف الاقتتال بإيفيان.

ولم تجف دماء عشرات الشهداء الذين سقطوا بالميناء، إذ أكثر من ثلثي – الحمالين – كانت أجسامهم حمراء مضرجة بالدماء، صباح الأربعاء 2 ماي 1962، ليستمر مسلسل رعب منظمة الجيش السري ابتداء من الساعة الرابعة مساء، بوتيرة قتل جزائري كل أربع دقائق، وهذا رغم نداءات وقف العنف والقتل.

 

 

صعوبة تحديد عدد الضحايا لعدم تسجيلهم في الأرشيف

وجدت صعوبة في تسجيل ضحايا هذه المنظمة الإجرامية بسبب عدة عوامل، ففي بعض الحالات كان الضحايا يُدفنون بصفة مستعجلة دون اللجوء إلى الحالة المدنية، وفي حالات أخرى كان من الصعب التعرف على الضحايا؛ بالنظر إلى أساليب الإعدام التي عمدت إليها تلك المنظمة، وفي أحيان أخرى كان مجرمو هذه المنظمة السرية يغتالون ضحاياهم، ثم يدفنونهم.

حيث تم في فترة ما بعد الاستقلال من 1963 إلى 1964، اكتشاف العديد من رفات جزائريين في أقبية وحدائق منازل، كما أن الأغلبية من ضحايا مجازر الطرقات التي كان يرتكبها ضباط مزيَّفون للجيش الفرنسي في حواجز بالطريق الرابط بين وهران وتلمسان، لم تدوَّن أسماؤهم في السجلات. و حسب بعض المؤرخين، فإن الجزائريين لم يكونوا الهدف الوحيد لمنظمة الجيش السري الفرنسية؛ حيث استهدفت هذه المنظمة مجنَّدين في الجيش الفرنسي وضباطا فرنسيين من المشاركين في مكافحة هذه المنظمة، ووهران تُعد من المدن الجزائرية التي شهدت عمليات منظمة الجيش السري الأكثر فظاعة ودموية.