أحزاب ”تَتسَوّل” في الفايسبوك!

أحزاب ”تَتسَوّل” في الفايسبوك!

”الموعد اليومي” تتصفح صفحات التشكيلات السياسية في مواقع التواصل الاجتماعي

”الأرندي” يتفوق إلكترونيا… هل يفعلها ميدانيا؟

 تزامنا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المرتقب إجراءها في 4 ماي المقبل، سارعت العديد من الأحزاب السياسية التي سجلت غيابها عن مواقع التواصل الاجتماعي لإنشاء صفحات رسمية خاصة بها، مجندة

لذلك فريقا تقنيا إلكترونيا يسهر على نشاطها، في حين تقوم الأحزاب التي ولجت هذا العالم سابقا بمضاعفة نشاطها عبر صفحاتها للترويج لنفسها ومغازلة شباب “الفضاء الأزرق” الذي يبقى وعاءهم الانتخابي خارج الاستغلال.

اشتد التنافس بين مختلف التشكيلات السياسية حول الانتخابات التشريعية لينتقل من جوّ التحضيرات الميدانية إلى العالم الإلكتروني، حيث تحاول العديد من الأحزاب رُكوب موجة التطور التكنولوجي والاستثمار فيها تحسبا لمعترك ”المقاعد”، من خلال استغلالها لمواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص موقع ”الفايسبوك” الذي يعتبر الأكثر استخداما وسط الجزائريين بما يقارب الـ10 ملايين مستخدم، أغلبهم من فئة الشباب، بغية الاقتراب منهم والتواصل معهم، علّها تنجح في استقطابهم إلى أحضانها وجرّهم إلى صناديق الاقتراع بعد أن تعذر عليها ذلك لعدة سنوات.

 

أحزاب تستجدي ”الفايسبوكيين”

وخلال جولة استطلاعية قامت بها ”الموعد اليومي” عبر الصفحات الرسمية لمختلف التشكيلات السياسية التي أعلنت خوض غمار الانتخابات، تبين جليا بأن بعض الأحزاب تستجدي المواطنين أو ”الفايسبوكيين” للترشح في قوائمها الانتخابية، نظرا لعدم امتلاكها لقواعد نضالية كبرى، في حين تتوسل أحزاب أخرى في منشوراتها من أجل مساعدتها على جمع التوقيعات اللازمة المقدرة بـ 250 توقيع عن كل مقعد.

كما تطلب بعض الأحزاب السياسية عبر صفحاتها الرسمية من متابعيها الانخراط في حزبها من خلال وضع استمارات للمعلومات يملأها الراغبون في الانتماء لتشكيلتها، والمُلاحَظ أيضا أن بعض الأحزاب أطلقت حملتها الانتخابية قبل أوانها، بحيث تقوم بنشر خطابات مفلسة ومستهلكة تستجدي فيها ”الفايسبوكيين” للتصويت عليها خلال الانتخابات المقبلة وتستخدم خاصية ”المنشور المموّل” الذي يدفع مستخدمه مبلغا معتبرا مقابل الخدمة، وذلك لاستقطاب أكبر عدد من مستخدمي الفايسبوك.

 

سخرية ولامبالاة… الأحزاب تغرد على انفراد

وفي غضون ذلك، اصطدمت العديد من الأحزاب بلامبالاة المتابعين حتى أصبحت صفحاتها معزولة من دون تفاعل ونشاط، ووجدت أحزاب أخرى نفسها أمام تعاليق ساخرة رصدت بعضها ”الموعد اليومي” … ”أنا جزائري لا يشرفني الانتماء لأي حزب سياسي”، ”لماذا تظهروا في الانتخابات فقط ؟”، ”لا نريد صداع الرأس حول برامجكم فمشروعكم الوحيد حصد الكراسي”، ”اليوم تحالف وبعد الانتخابات تخالف وتناطح”… و هي عينة من الآراء التي تعكس عدم اهتمام الفايسبوكيين بالأحزاب والعمل السياسي و تشير بشكل واضح إلى أن مباراة الأحزاب في الفضاء الأزرق تحسبا للتشريعيات تبقى من المباريات الصعبة وربما محسومة لأصحاب الأرض.

 

”الأرندي” يتفوق إلكترونيا… هل يفعلها ميدانيا؟

من جهة أخرى، وبلغة الأرقام تبين أن عدد الأحزاب التي تملك عددا لا بأس به من المتابعين والمتفاعلين، قليل جدا ويعد على أصابع اليد، وتشير الإحصائيات التي أجرتها ”الموعد اليومي” إلى أن حزب التجمع الوطني الديموقراطي تفوق على جميع الأحزاب بـ116 ألف متابع على صفحته الرسمية وتفاعل معتبر من المتابعين، أما المركز الثاني فقد عاد لتجمع أمل الجزائر بـ 91 ألف متابع وعدد محتشم من المتفاعلين، ونفس الأمر بالنسبة للمتفاعلين في صفحة حركة مجتمع السلم التي تأتي في المركز الثالث بـ 48 ألف متابع.

 

الأفلان… علامة الاستفهام

وما لفت انتباه ”الموعد اليومي” خلال عملية الإحصاء هو عدم تواجد حزب جبهة التحرير الوطني في مصف كبار الصفحات ”الفايسبوكية” السياسية من حيث عدد المتابعين والمتفاعلين، مكتفيا بـ 21 ألف متابع بالرغم من امتلاكه لأكثر من 550 ألف منخرط بشكل رسمي على أرض الميدان.

 

عدوى الطابع ”المناسباتي” تصيب بعض الأحزاب إلكترونيا

أما باقي الأحزاب الأخرى، فقد تراوح عدد متابعيها ما بين ألف إلى 20 ألف متابع، وتعرف جل هذه الصفحات حالة ركود

وجمود، وأخرى معزولة تماما تشير بوضوح إلى أن عدوى الطابع المناسباتي المعهود لدى غالبية الأحزاب انتقل من أرض الواقع ليصيبها في العالم الإلكتروني.

 

أحزاب دول الجوار تتفوق

ومع ذلك يبقى عدد متابعي جميع صفحات الأحزاب – بما فيها التي تحتل المرتبة الأولى- ضئيلا جدا خاصة وأن مستخدمي ”الفايسبوك” في الجزائر يقارب الـ10 ملايين مستخدم، وأكثر من ذلك فإن عدد متابعي الأحزاب الجزائرية على مواقع التواصل الاجتماعي مقارنة بأحزاب دول الجوار يبقى محتشما، فمن خلال المقارنة التي أجرتها ‘الموعد اليومي” بين صفحات الأحزاب الجزائرية وبعض الأحزاب للبلدان المجاورة، نجد فارقا واسعا وشاسعا بينها، حيث بلغ عدد متابعي صفحة حزب العدالة والتنمية المغربي أكثر من مليون متابع، في حين تملك حركة النهضة التونسية أكثر من 600 ألف متابع.

 

”الأفافاس” و”العمال” لا يثقان في التواصل الاجتماعي

والمُلاحَظ خلال جولتنا أن بعض الأحزاب التي لها باع في النضال السياسي لا تثق في مواقع التواصل الاجتماعي مثل حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية، فهما شبه غائبين عن هذا العالم، في حين لا وجود لأي أثر لبعض التشكيلات السياسية الأخرى التي تصنف في خانة ”المجهرية” لتسجل بذلك غيابا ميدانيا وافتراضيا.

 

الفراغ السياسي يؤرق الأحزاب

وما يعاب على الكثير من الأحزاب السياسية التي اقتحمت ”العالم الالكتروني” هو غياب برامجها عبر أرجاء صفحاتها، يضاف إلى ذلك عدم اعتمادها على خطاب فكري قادر على إقناع شباب الفايسبوك بأن العمل الحزبي السياسي ليس عيبا، مكتفية في بعض الأحيان بنشر صور لخرجات الرؤساء و التجمعات الولائية وما كتبته وسائل الإعلام عنها، وبيانات جافة لا تسمن ولا تغني من جوع.

وستجد جميع الأحزاب السياسية الناشطة نفسها أمام تحديات كثيرة، فبالإضافة إلى التنافس المحتدم بين الأحزاب إلكترونيا، وضرورة إقناع المواطنين بالتصويت، تجد نفسها أمام تحدي آخر وهو انتشار الصفحات التي تدعو لمقاطعة الانتخابات التشريعية والتي تعرف تفاعلا واستجابة أكثر من صفحات الأحزاب السياسية.

وفي خضم ذلك، تبقى خطوة الأحزاب السياسية في اقتحام مواقع التواصل الاجتماعي ومواكبة العصر الحديثة إيجابية، غير أنها ملزمة باللجوء إلى مبدأ التنمية السياسية بعيدا عن الانغلاق السياسي ميدانيا، وتوفير خطاب وبرنامج نوعي يتلاءم والظروف الحالية التي تعرفها الجزائر يطبق على أرض الواقع ولا يبقى حبيس الفضاء الإلكتروني، إذا أرادت حقا استقطاب الشباب للانخراط في العمل الحزبي والمساهمة في تخفيض نسبة العزوف الانتخابي.

للإشارة، فإن صفحة حزب طلائع الحريات الذي يقوده وزير الحكومة السابق علي بن فليس تتربع على عرش الصفحات السياسية بـ أكثر من 910 ألف متابع، غير أن عملية الإحصاء التي أجرتها ”الموعد اليومي” شملت الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية 2017.