لكل إنسان منَّا أمنيةٌ يريد أن يحقِّقَها، ويسعى إليها، كثيرةٌ هي الأمنيات، وهي لا تنفكُّ عنا. تُرى بماذا سنجيب لو سُئِلنا هذا السؤال؟ تخيَّلتُ الإجابات؛ منا من تقول: أريد بيتًا واسعًا وأثاثًا فاخرًا، وأخرى تقول: أريد زوجًا صالحًا وعيشًا هادئًا، أريد أن أُكْملَ دراستي، أريد أن أُغيِّر سيارتي، أن أجدِّد هاتفي، أن يزيدَ راتبي…. ثم رجعتُ بالأمنيات إلى أمنيةٍ غالية، هي أغلى أمنية، أمنية طلبها ذلك الصحابيُّ الشابُّ ربيعةُ بن كعب الأسلمي رضي الله عنه حين سأله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أمنيته، فيا ترى ماذا كان جوابه ؟. فعن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: ” كنتُ أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتُه بوَضوئه وحاجته، فقال لي: “سَلْ”، فقلت: “أسألُك مرافقتَك في الجنة”، قال: “أوَغيرَ ذلك؟”، قلت: “هو ذاك”، قال: “فأعنِّي على نفسِك بكثرة السجود”؛ صحيح مسلم. يا ألله! تلك هي أمنيته، وقد كان رضي الله عنه شابًّا صغيرًا فقيرًا، يبيت مع أهل الصُّفَّة “فقراء المهاجرين” في المسجد، ليس عنده مالٌ ولا بيتٌ ولا متاعٌ يأوي إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائد والإمام يستطيع أن يعطيَه مالًا أو بيتًا أو يزوِّجَه؛ لكن ربيعة رضي الله عنه قال: “أسألك مرافقتك في الجنة”، لم ينظر إلى متاع الدنيا؛ لعلمِه أنه سيفنى، فاختار ما هو أبقى. هكذا كانت قلوبُهم؛ قلوبٌ تعلَّقت بالجنان، هكذا كانت هِممُهم؛ هممٌ عانقت الجبال، هكذا كانت تطلُّعاتهم وآمالهم؛ تُبذل لأجلها الأعمارُ. لكن الأماني وحدها بلا عمل لا تكفي؛ فمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم لا تُنال بالتمنِّي؛ بل لا بد من العمل لنيلها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود”، فكان ربيعة رضي الله عنه كثيرَ الصلاة، كثير النوافل، كثير السجود لله. فيا مَن تاقت نفسُه لمرافقة خير الورى وأفضل من وطِئَ الثرى، على قدر شوقك أكثِرْ سجودك؛ فكلما أكثرتَ من المحافظة على الصلوات الفرائض، وأكثرت من النوافل، كانت فرصتُك في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم أكبرَ وأعظم.
من موقع وزارة الشؤون الدينية