لأهمية الزمن وأثره، أقسم الله عز وجل به وبأجزاءٍ منه في آيات كثيرة من كتابه الكريم: كالفجر، والليل، والنهار، والعصر، والضحى، وغيرها وما ذاك إلا لمكانة الزمن ولفت الأنظار إليه من جانب، والتنبيه على جليل نفعه وعظيم آثاره من جانب آخر. وفي الحديث، عَنْ ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنِ فِيْهِمَا كَثِيْرٌ مِن النّاسِ الصّحة والفَرَاغُ” رِواهُ البُخاريّ وغيره. والوقت هو الحياة، وهو عمر الإنسان حقيقة، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وَفِي “صَحِيحِ الْحَاكِمِ” عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”. وَقَالَ غُنَيْمُ بْنُ قَيْسٍ: كُنَّا نَتَوَاعَظُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ: ابْنَ آدَمَ اعْمَلْ فِي فَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَفِي شَبَابِكَ لِكِبَرِكَ، وَفِي صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَفِي دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ، وَفِي حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.
وكان بن عياش يقول: لو سقط من أحدكم درهم لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي وهو يذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات. وكان عمرو بن دينار قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء، ثلثًا ينام، وثلثًا يدرس الحديث، وثلثًا يصلي. وكان وكيع بن الجراح لا ينام حتى يقرأ حزبه في كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر فيصلي ركعتين. وإضاعة الوقت هدرًا من أعظم المصائب على العبد، وكل يوم تغيب شمسه لا يعود، والغد مجهول لا تدري أتدركه أم لا، قال تعالى: ” وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ” فاطر: 37. ولهذا كان السلف حريصين على كسب الوقت وشغله بالعمل النافع، فقد كانوا يبادرون اللحظات، ويسابقون الساعات، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: “لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامَاً كَانُوا أَشَدَّ حِرْصَاً عَلَى أَوْقَاتِهِمْ مِنْ حِرْصِكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ.