إن مكارم الأخلاق في الإسلام تمثِّل بعد الإيمان ومع الإيمان أعظمَ الأركان التي يقوم عليها بناء الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي، وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: “أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم” أخرَجه أحمد والترمذي. فالالتزام بمحاسن الأخلاق سبيلٌ لنَيْل الصلاح والسلامة، وطريق للفوز والنجاة؛ كما أخبَر النبي عليه الصلاة والسلام: “ما من شيء أثْقَل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسْن الخُلق، وإن الله يُبغض الفاحش البذيء” رواه الترمذى. وحُسْن الخُلق كما عرَّفه القاضي عياض رحمه الله هو: “مخالطة الناس بالجميل والبِشْر، والتودُّد لهم، والإشفاق عليهم واحتمالهم، والحِلم عنهم، والصبر عليهم في المكاره، وترْك الكِبر والاستطالة عليهم، ومُجانبة الغَلَط والغضب والمؤاخذة”.
وعلاقة الصيام بالأخلاق واضحة؛ حيث إنَّ الصيام على وجهه الصحيح ليس مجرَّد الامتناع عن المُفطرات الحسيَّة – الطعام والشراب والجِماع – ولكنَّه يَشمل الابتعاد عن مساوئ الأخلاق ورذائلها؛ كما دلَّ على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: “الصيام جُنَّة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يَرفُث ولا يَصْخب، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَه، فليَقل: إنِّي امرؤ صائم” مُتفق عليه؛ أي: عليه أن يَحفظ صيامه من الرَّفث وهو الفُحش ورَدِيء الكلام. “ولا يَصْخب”؛ أي: لا يَصيح ولا يرفع صوته على الناس، وليَضبِط أعصابه، وليَملِك أمرَ نفسه، ولا يَجعل صومه شجارًا؛ فإنما جُعِل الصوم لتربية الإرادة وتهذيب الأنفس. فإن سابَّه أحد أو قاتَلَه، فليَقل: إني صائم إني صائم”؛ أي: لا ينبغي أن يقابِل السيئة بالسيئة، وإنما يُقابل السيئة بالحسنة؛ ” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ” فصلت: 34. إنَّ كثيرًا من الناس لا يفهمون حقيقة الصيام، ولا يتصوَّرون منه إلاَّ الإمساك عن المُفطرات المادية؛ لذلك لا تختلف أحوالهم في شهر الصيام عن أحوالهم في غيره؛ بل رُبَّما زادَهم الصوم ضيقًا في الصدر، وطيْشًا وسرعة غضب.