إنَّ أمَّتَكُم أمةٌ واحدةٌ: دينُهَا واحدٌ، وربُّها واحدٌ، ونبيُّهَا واحدٌ، وقِبْلتها واحدةٌ، ومصيرُها واحدٌ، يصدقُ فيها قولُ النَّبيِّ عليه السلام كما عند مُسْلم: “إِذا اشْتكَى منْهُ عضوٌ، تداعَى له سائرُ الجَسَدِ بالسَّهر والحُمَّى”. والشَّعبُ الجزائريُّ لن ينسَى أبدًا إخوانَهُ الفلسطينيين، خصوصًا في هذا الزَّمن الحَالِك الذي تكَالَبَت فيه الأمَمُ على جسد الأمَّةِ، تنهشُ لحمَهَا هنا وهُناك. وإنَّ من أسمَى صُوَر التَّضَامن والأخوَّة وأرْقَاها مع أحِبَّتنا في مسرى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، أن تَهُبُّ كلُّ حمَلاتِ التَّبرُّع والمواسَاةِ من أجْلِ القُدْسِ. وأهمُّ شَيْء يقدَّمُ للشَّعب الفلسطينيِّ المجاهدِ على مُسْتَوَى الحكوماتِ والمنظَّمَات الدَّولية: أن تلتَفَّ حولَ كلِّ مبادرةٍ منظَّمَةٍ مدروسَةٍ تنبعُ من انتمائِنا لحضَارتنا وإسْلامنا ومبادئِ الإنسانيةِ، تُرْجِعُ الحقوقَ السَّليبةَ إلى أهلها، وتُوقِفُ العُدوانَ الغاشمَ على فلسطينَ ولبنَانَ وعلى كلِّ أرضِ الإسلامِ، وتُنَفِّسُ عنهَا كربَتَهَا، وتَضْمَنُ لها العيشَ في أمنٍ وسلامٍ، وتعودُ قدسُنا إلى أرضِ العروبةِ والإسلامِ. وإذ نستبشِرُ بما أُعْلِنَ مؤخَّرا من إصْدَار محكمةِ الجناياتِ الدَّولية لمذكِّرَتَيِ اعتقالٍ في حقِّ مسْؤُولَيْنِ في الكِيَان الصُّهيونيِّ بتُهَمِ ارتكابِ جرائمِ حربٍ وجرائمَ ضدَّ الإنسانيةِ في قطاع غزَّة، ننوِّهُ بموقفِ الجزائر الثَّابتِ -تَنسِيقًا معَ أحْرَارِ العالمِ- من قضِيَّتنا العادلةِ، حيثُ صرَّحتْ قيادتُنَا الرَّشيدةُ بما يبعثُ على الفَخْرِ والاعتزازِ، فجاء على لسَانِ القاضِي الأوَّلِ للبلَادِ ما نصُّه: ” إنَّ نداءَ الجزائرِ سُمِعَ اليومَ من قِبَلِ النُّزَهَاء في العَالَمِ لمحاسَبَة قَتَلةِ الشَّعْبِ الفلسطينيِّ”، فلا تنسَوْا إخوانكُم في أرضِ الرِّبَاط من كلِّ أنواع الدَّعْم الماديِّ أو المعنويِّ. أمَّةَ الإباء والصُّمود: إنَّ قضيَّتُكم عادلةٌ، وقضيَّةَ العدوِّ الصُّهيونيِّ ظالمةٌ وجائرةٌ، ولقدْ كتبَ الله التَّمكينَ والرِّفعَةَ لدولةِ العدلِ إلى قيامِ السَّاعةِ، والاندِحَارَ والهَوَانَ لدولةِ الجَوْرِ ولوْ بَقِيَتْ في الحياةِ ساعةٌ. وأمَّا أنتُمْ يا أبطالَ فلسطينَ وفخرَ أمَّةِ الإسلامِ: لقدْ وعَدَكُمُ اللهُ تعالَى إحدَى الحُسْنَييْنِ إمَّا الشَّهادةَ وإمَّا النَّصرَ، وقد نِلْتُم في هذهِ الجولةِ شهادةَ مَنِ ارتقَوْا إلى الله طَاهِرينَ: شيوخًا وشبابًا ونساءً وأطفالًا، ونصرًا مكينًا على أعْتَى قوَّةٍ مجرِمَةٍ عرفَهَا العَصْرُ الحديثُ، وسَيَأِتي النَّصْرُ النِّهائيُّ بإذنِ اللهِ تعالى بالتَّمكينِ في الأرضِ، اللهم خذ بيد إخواننا في فلسطين، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم أنزل عليهم بركاتك، وثبت أقدامهم، وسدد رميهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، ومن فوقهم ومن تحتهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الشرك والمشركين، وارفع راية الإسلام والدين.
الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر