أنوار من جامع الجزائر.. أهمية العلم في حياة المسلم

أنوار من جامع الجزائر.. أهمية العلم في حياة المسلم

إِنَّ منْ وَاجِبِنَا جَميعًا أَنْ نُسَاهِمَ فِي إِحْيَاءِ رِسَالَةِ الْجَامعِ الْعِلْميَّةِ، منْ خِلَالِ حُضُورِ دُرُوسِ الْعِلْم الَّتِي تُقَامُ فِيهِ، وَتَشْجِيعِ وَحَثِّ أَبْنَائِنَا عَلَىٰ تَلَقِّي الْعِلْم النَّافِعِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “فَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَىٰ أَدْنَاكُمْ ” رَوَاهُ التِّرْمذِيُّ، وَهٰذَا يَدُلُّ عَلَىٰ رِفْعَةِ شَأْنِ الْعِلْم وَأَهْلِهِ. وَوَاجِبُنَا – أَيُّهَا الْأَفَاضِلُ – لَا يَقْتَصِرُ عَلَىٰ طَلَبِ الْعِلْم فَقَطْ، بَلْ يَشْمَلُ أَنْ نُولِيَ اهْتِمَامًا دَائِمًا بِهِ وَبِغَيْرِهِ منْ بُيُوتِ اللَّهِ، وَأَنْ نَجْعَلَ لَهُ حُضُورًا فِي تَفَاصِيلِ حَيَاتِنَا الْيَوْميَّةِ، فَلَا يَكُونُ مَوْضِعَ عِبَادَةٍ فَحَسْبُ، بَلْ مَنَارَةً نَهْتَدِي بِهَا، وَمَكَانًا نَرْتَبِطُ بِهِ وِجْدَانًا وَسُلُوكًا، نَحْنُ جَميعًا، شَبَابًا وَكِبَارًا، رِجَالًا وَنِسَاءً، مُطَالَبُونَ بِأَنْ نُحَافِظَ عَلَىٰ هٰذَا الصَّرْحِ الْعِلْميِّ، وَأَنْ نُسْهِمَ فِي تَفْعِيلِهِ بِمَا نَسْتَطِيعُ منْ وَقْتٍ وَجُهْدٍ وَفِكْرٍ، حَتَّىٰ يَبْقَىٰ مَرْكَزًا حَيًّا لِلْعِلْم وَالْإِيمَانِ، وَفَضَاءً لِتَرْبِيَةِ النُّفُوسِ، وَتَنْوِيرِ الْعُقُولِ، وَرَبْطِ الْأَجْيَالِ بِمَجْدِهَا وَدِينِهَا وَهُوِيَّتِهَا.

أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا منْ أَهْلِ الْعِلْم النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. إِنَّ منْ أَعْظَم أَسْبَابِ ضَعْفِ الْأُمَّةِ الْيَوْمَ هُوَ هُجْرَانُ الْعِلْم النَّافِعِ، وَالِابْتِعَادُ عَنْ حَلَقَاتِ التَّعْلِيم الشَّرْعِيِّ، وَالِانْشِغَالُ بِمَا لَا ينفع ولا يفيد ديناً ولا دنيا، وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ ﷺ منْ ذَٰلِكَ، فَقَالَ: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ منَ النَّاسِ، وَلَٰكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّىٰ إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا” مُتَّفَقٌ عَلَيْه. إِنَّ الْعِلْمَ فِي الْإِسْلَام لَا يُقْصَدُ بِهِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَشْرَفَ الْعُلُوم وَأَعْلَاهَا، بَلْ يَشْمَلُ أَيْضًا كُلَّ عِلْمٍ يَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى النَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ بَادِيسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: “الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ جُزْءٌ منْ عُلُوم الدِّينِ، فَكُلُّ عِلْمٍ يَهْدِي إِلَى الْخَيْرِ وَيُرْشِدُ إِلَى الْحَقِّ فَهُوَ منَ الدِّينِ”. فَالْمُهَنْدِسُ الَّذِي يُخْلِصُ فِي عَمَلِهِ، وَالطَّبِيبُ الَّذِي يَسْهَرُ عَلَىٰ عِلَاجِ الْمَرْضَىٰ، وَالْمُعَلِّمُ الَّذِي يُرَبِّي الْأَجْيَالَ، كُلُّهُمْ عَلَىٰ ثَغْرٍ منْ ثُغُورِ الْأُمَّةِ، وَيُرْجَىٰ لَهُمُ الْأَجْرُ إِذَا خَلُصَتْ نِيَّاتُهُمْ، وَارْتَبَطَ عِلْمُهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ. أَيُّهَا الْمُؤْمنُونَ، بِالْعِلْم تُبْنَى الْحَضَارَاتُ، وَتُحْفَظُ الْحُقُوقُ، وَتُؤَدَّى الْأَمَانَاتُ، وَبِالْعِلْم يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ وَاجِبَهُ تُجَاهَ رَبِّهِ وَنَفْسِهِ وَأُمَّتِهِ، فَلْنَغْتَنِمْ – أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ – أَيَّامَنَا فِي التَّعَلُّم وَالتَّعْلِيم، وَلْنُشَجِّعْ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا عَلَىٰ التَّحْصِيلِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَلْنَغْرِسْ فِيهِمْ حُبَّ الْعُلَمَاءِ وَمَجَالِسَ الذِّكْرِ. اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا منَ الَّذِينَ يَسْتَمعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَلَا تَجْعَلْنَا منَ الْغَافِلِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ هٰذَا الْبَلَدَ مَنَارَةَ عِلْمٍ وَهِدَايَةٍ، وَوَفِّقْ عُلَمَاءَنَا وَمُعَلِّمينَا، وَارْفَعْ بِهِمْ رَايَةَ الْحَقِّ وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ اُنْصُرْ الإسلَامَ وَأعزَّ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمّ اُنْصُرْ الاسلَامَ وَأعزَّ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمّ اُنْصُرْ الإسلَامَ وَأَعَزَّ الْمُسْلِمِينَ، واُنْصُرْ بفضلِكَ إخوانَنَا المجَاهدينَ المرَابطينَ في فلسطينَ، واجعل بَلَدَنَا الجَزَائرَ في أَمْنٍ وأَمَانٍ، وعِزَّةٍ ورَخَاءٍ، وسلِّمْهَا وسَائِرَ بِلَادِ المسلمينَ من كُلِّ سُوءٍ وبَلَاءٍ، برحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر