وَكَرَّمَها أيضا زَوْجَةً، فَكَانَ لَهَا حَظٌّ وَافِرٌ مِنْ وَصَايَاهُ صلّى اللّه عليه وسلّم، وآخِر ما أوصَى به عليه الصّلاةُ والسّلامُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ أن قال لهم: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”، وقال:”اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ”، وفي روايةٍ لأحمدَ: “فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ، لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا، وَإِنَّ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقًّا”. وَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخَيْرِيَّةَ فِي مَنْ أَحْسَنَ إِلَى زَوْجَتِهِ وَأَكْرَمَهَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”، وَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: “أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ”، وَفِي الأَثَرِ أَيْضًا: “مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلَّا كَرِيمٌ، وَلَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ”. وأَمَرَ الزَّوْجَ بِأَنْ يُعَاشِرَ زَوْجَتَهُ بِالمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهَا، وَتَطْيِيبِ خَاطِرِهَا، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى شُعُورِهَا، وَعَدَمِ تَصَيُّدِ أَخْطَائِهَا وَمُتَابَعَةِ زَلَّاتِهَا، كما قَالَ تَعَالَى “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ” النساء: 19، وَاستجابَةً لهذا الأمرِ الرّبّانِيِّ كان ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يقول: “إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي”. وَكَرَّمَ الإِسْلَامُ المَرْأَةَ أُخْتًا وَبِنْتًا، فَجَعَلَ مِنَ الإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ وَحُسْنِ تَرْبِيَتِهِنَّ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، كما روى الإمامُ أحمدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا يَكُونُ لأَحَدٍ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أَوْ أُخْتَانِ؛ فَيَتَّقِي اللَّهَ فِيهِنَّ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ”، وروى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ”. أيُّهَا الرّجالُ:إنّكُمْ مسؤُولُونَ بين يدي ربكُمْ عن النّساءِ، أحفظتُمْ حقوقَهُنَّ أم ضَيَّعْتُمْ، ففي الحديثِ عند النسائيِّ وابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ”. أَيُّهَا المُرَبُّونَ: بَنَاتُ وَأَخَوَاتُ اليَوْمِ هُنَّ أُمَّهَاتُ الغَدِ، فَبِصَلَاحِهِنَّ يَصْلُحُ المُجْتَمَعُ، وَبِفَسَادِهِنَّ يَفْسُدُ المُجْتَمَعُ. إِنَّ مِنْ دَوَاعِي الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ إِكْرَامَ المَرْأَةِ وَالإِحْسَانَ إِلَيْهَا دُونَ إِفْرَاطٍ أَوْ تَفْرِيطٍ، مصداقًا لقوله تعالى:”وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا” سورة البقرة:142، فَهِيَ تُعَانِي بَيْنَ طَرَفَيْ نَقِيضٍ: تَعَانِي بَيْنَ قَوْمٍ بالغوا في مَنْعُهَا، مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ قَدْ وَصَلُوا إِلَى قِمَّةِ التَّكْرِيمِ، وَذَلِكَ بِالمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ، بِسَبَبِ مَفَاهِيمَ خَاطِئَةٍ دَخِيلَةٍ عَلَى الدِّينِ الإِسْلَامِيِّ السَّمْحِ، أو عاداتٍ اجتماعيَّةٍ وليدة ظروفٍ بيئيّةٍ وزمانيةٍ، أَطْلَقُوا لَهَا عِنَانَ الفَتْوَى بِجَهَالَةٍ، إنّ الفَتَاوَى المُتَشَدِّدَةَ جَعَلَتْ كَثِيرًا مِنَ النِّسَاءِ يَهْرُبْنَ إِلَى دَعَاوَى الحَدَاثَةِ وَالتَّحَرُّرِ، فَوَقَعْنَ ضَحَايَا لِهَذَا الفِكْرِ المُنْحَلِّ الَّذِي جَعَلَهَا تَتَحَرَّرُ مِنْ حَيَائِهَا، وَتَفْقِدُ أُنُوثَتَهَا وَوَظِيفَتَهَا الأَسَاسِيَّةَ كَمُرَبِّيَةٍ صَالِحَةٍ لِلأَجْيَالِ، فَزَيَّنُوا لَهَا الشَّهَوَاتِ، وَأَبَاحُوا لَهَا المَمْنُوعَاتِ، لِتَتَحَوَّلَ إِلَى جَسَدٍ بِلَا رُوحٍ، بِدَافِعِ المُسَاوَاةِ، فَجَرَّدُوهَا مِنْ طَبِيعَتِهَا الأُنْثَوِيَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا.
الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر