أحيا العالم في بحرِ الأسبوعِ المنصرمِ، اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، عرفانًا بحقوقهم، وإقرارًا لما ينبغي لهم من اهتمام ورعاية، وقد دعا الإسلام إلى رعاية الضعفاء ورحمتهم وإعانتهم على ما ابتلاهم الله به،والتخفيف عنهم، فقال سبحانه وتعالى: “لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ” النور: 61. إنّ من سُننِ اللهِ تعالى في خلقِهِ الابتلَاءَ، فقد أخبرَنَا البَاري سبحانَه أنَّ الحَيَاةَ مَجَالٌ واسعٌ للاختبَار والامتحَان، فيبتلي عبادَه بالسرَّاء والضرَّاء، والخيرِ والشَّرِّ، والعطاءِ والمنعِ، قال سبحانه وتعالى “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” الملك: 2. وقال أيضًا: “وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ” الأنبياء: 35. وأخبرنا سبحانه أنّ كلَّ حيٍّ لا بدّ مبتلىً بنوعِ من أنواع الابتلاءِ، حتى يمحِّص صدقَ إيماننا به سبحانه وصَبرَنا على أقداره، قال تعالى: “لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ” آل عمران: 186. وقال أيضا: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ” العنكبوت: 2. ومن هذا البلاءِ أن يُبتلى الإنسان بعاهةٍ في بدنه تعوقُ حركتَه، أو تجعلُ حياتَه صعبةً وممارسةَ أعماله شاقَّةً أو مستحيلةَ، فيكونُ بذلك من ذوي الاحتياجاتِ الخاصة. وقد وعد النبيُّ صلى الله عليه وسلم من صبرَ على شيء ممَّا ابتلاه الله به وقابَلَه بالرِّضا والتسليمِ بالأجرِ الجزيلِ؛ والأحاديث في تكفير ذّنوب المؤمن بالصبر على البلاء والمصائب كثيرة جدًّا، منها رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ”. وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي وأحمد: “مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ”. وقال تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”.فأبْشِرْ أخي المُبْتلَى بالأجر الجزيل لِقاءَ الصبرِ والتسليمِ، ثمّ هذا سيدُنا أيوب عليه السلام مَضرِب المثلِ في الصبر والاحتساب، وقدابتلاه الله في بدنه دهرًا طويلًا،فما كان منه غيرُ الصبرِ الجميلِ، قال تعالى في وصف صبرِه وجَلَدِه: “إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ” ص: 44.
الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر