في عالم اليوم إخوةَ الإيمان نشهد حربًا إعلاميّةً، تتنافسُ فيها الأقلامُ والصحف ُوالمواقعُ والأممُ والجماعاتُ،على توجيهِ النّاسِ واختراقِ عقولهم وتفتيت صفوفهم بما يُسمّى اليوم حرب العقول، والهدفُ صناعةُ رأيٍ عامٍّ من خلالِ الكلمةِ الموجّهةِ والنّشرِ والمشاركةِ، بل هنالك منصّاتٌ رائجةٌ يتابعها ملايين البشر لا تنشر إلّا النّصوص المقروءةَ، يقف وراءها رجالُ الفكرِ والسّياسةِ لاستقطابِ الرأيِ العامِّ وتوجيهِهِ، وهي منصاتٌ غير بريئة، أدرك مُنْشِؤوها أهميّةَ الكلمةِ ودورَها في التّوجيهِ والتّأثيرِ على عقول المتابعين؛ فَسَخَّرُوا أغلبَ هذه المنصّات للتّرويجِ للرّذائلِ والأكاذيبِ والتّضليلِ عن الحقائقِ وتشويهِهَا، فضلًا عن وسائلِ الإعلامِ المسموعةِ والمقروءةِ والمرئيّةِ التي لا يخلو منها فضاء عامٌّ أو خاصٌّ، وخطورتُهَا على المراهقين والشّباب غير المتحصّنين بالعلم الصّحيح والإيمان الرّاسخ وحبّ الوطن، لا تخفى على ذي نظر؛ فلهذا كلّه وجب علينا وعلى الفاعلين في مجتمعنا من النُّخبِ العلميَّةِ والمثقّفين؛ وضع الخطط والبرامج واقتحامَ المجال الرقميّ واستغلالَه ؛في مواجهة هذه الثّورة الرّقميّة العاصفة بعقول أبنائنا وأجيالنا، على الأقل للتّخفيف من آثارها السيّئة على هوّيتنا وأخلاقنا،ونشر الوعي بخطورة اقتحام هذا المجال دون توجيهٍ وإرشادٍ من العارفين، وقال عليه الصّلاة والسّلام محذّرًا من نشرِ أيِّ شيءٍ دون تثبُّتٍ: “كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ”. قد علمنا خطورةَ الكلمةِ، وفضلَ القولِ السّديدِ في الإسلامِ، وأكثر ما ابتلينا به هو الكلام، فبه نتواصلُ، وبه نعملُ ونتعلّمُ ونتقاضى، وبه تتمُّ جلُّ العقودِ والمعاملاتِ، ولهذا أُمرنا أن نرعى ألسنتنا ونصونَها عن اللّغطِ والزّللِ وكثرةِ الثّرثرةِ من غيرِ فائدةٍ، قال عليه الصّلاة والسّلام: “إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُم ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ”.
الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر للشيخ محمد مقاتلي