قد مرت بنا في الأسبوع الماضي ذكرى تعود بنا إلى شهر نوفمبر 1852، حيث قام الاستعمار الفرنسي الغاشم بمجزرة رهيبة وإبادة جماعية مرعبة في مدينة الأغواط، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة، ستبقى أحداثها وصمة عار في جبين المستدمر، وسجلا أسود في تاريخه المشين، حيث أقدم الاستعمار الفرنسي على قتل المدنيين العزل بوحشية وهمجية فاقت كل التصورات، لم يسلم فيها الأطفال الرضع ولا الشيوخ والنساء العُزَّل، جاءت كردّ فعل على المقاومة التي كان يقودها الرجال الأبطال المدافعون عن دينهم ووطنهم. إن قوات الاستعمار قامت في نهاية شهر نوفمبر 1852 وإلى غاية الأسبوع الأول من ديسمبر، بقصف منطقة الأغواط بقذائف معبئة بمادة كيميائية سامة تتسبب في التهابات حادة في أنسجة الرئة، وتحدث اختناقا شديدا يؤدي إلى الموت، ونال شرف الشهادة ثلثا السكان أي ألفان وخمسمائة شهيد من أصل ثلاثة آلاف وخمسمائة ساكن. إنهم كما قال المولى عز وجل: “لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ” التوبة: 10، إنّهم بفعلهم الشنيع المخزي قد أثبتوا للعالم أنهم وحوشٌ في صورة البشر، متعطشون للدماء، لا تأخذهم في الضعفاء رأفةٌ، ولا ينظرون إلى الأطفال والعجائز بعين الرحمة، وليس في قلوبهم للإنسانية أية معنى. إن ذاكرتنا تحتفظ بهذه البشاعة الاستعماريّة، ولن تنسى تلك الأعمال الوحشية الشنيعة، والجرائم المنكرة، وستبقى أجيالنا على مرّ الأزمان تفتخر ببطولات شهدائنا الأبرار وتضحياتهم، وتعتز بمجاهدينا الأبطال الأحرار، الذين شرفهم الله بقوله في كتابه: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ بل أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْر الْمُؤْمِنِينَ” آل عمران: 169 ــ 171. كما ستبقى أجيال الاستعمار منكّسة الرأس لما تحمله من سجلات شاهدة على الظلم والبغي والوحشية وذبح الأبرياء، وملطّخة بدماء الأطفال والنساء والضعفاء. اللَّهُمَ يَا نَاصِرَ المُسْتَضْعَفِينَ انْصُرْنَا، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا إِلَى الحَقِّ. اللَّهُمَ يا فارج الكربات، ويا مجيب الدعوات،أصلح أحوالنا،وردنا إليك ردًّا جميلًا. نسألك الله أن يعافينا ويلهمنا السداد والرشد وأن يشفي مرضانا ويخفف عن مبتلانا والحمد لله على كل حال ونعوذ به من أحوال أهل النار.
الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر