نحن في يوم الفتح، نعيش نسمات الذكرى الثالثة والسّتين لعيد النصر. وإنّ للنصر روعة ولذكراه أثرا ومتعة. وأيُّ مشهدٍ أقرب إلى هذا من نضال الجزائريين، الذين خرجوا لمقارعة أعتى قوّة استعمارية، في ظروف توحي بأنّ النّصر كان بعيد المنال، لكنّه أقرب إلى إيمان المجاهدين من حبل الوريد. نتذكّر، والسعادة تملأ قلوبنا، أنّ القرآن الكريم الذي حثّنا على الجهاد والمصابرة والمرابطة قد بشّرنا أيضا بالنجاح والفوز والنصر. فهو يفتح أبواب الرجاء والأمل أمام المؤمنين؛ في ذكرى الفتح، هذا العام، نحتفل بعيد النّصر. وأيّ صورة أعظم من يوم انتصار الجزائر، حين سقط الاستدمار؛ ولن يبقى له أثر، بإذن الله، إلّا في ذاكرة التاريخ. إنّه اليوم الّذي ارتفعت فيه راية الجزائر عاليةً، بعد احتلال دام قرنًا وثلث قرن، سطّر شعبنا في مقاومته أروع ملاحم البطولة. كان احتلالا غاشما، جثم على صدر الجزائر، وحاول أن يقتلع من شعبها العقيدة والهُوّيّة، فإذا بها تستعيد مجدها بنصر مؤزّر، يشبه في قدره يوم بدر وفتح مكة؛ بل ويمتدّ بروحه إلى معركة العصر الكبرى. فعلى الضفّة الأخرى من الزمن، هناك معركة تحمل الروح ذاتها، واليقين ذاته: إنّها معركة فلسطين “ملحمة طوفان الأقصى”. وها نحن اليوم، إذ نُحيي ذكرى عيد النصر في الجزائر، لا نملك إلّا أن نرى صورته في وجوه الصامدين في غزّة، وفي ثبات المقاومين في جنين، وفي تكبيرات الأحرار المرابطين في المسجد الأقصى، الّذين يمشون دربًا سلكناه نحن قبل عقود، ونعلم نهايته الحتمية: نصرا عزيزا مؤزّرا: “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” الحج: 40. إذا كان لنا من دعوة في هذا اليوم العظيم، فهي أن نستلهم الدروس من غزوة بدر، ومن فتح مكّة، ومن نصر الجزائر؛ نستلهم يقينًا بأنّ طريق فلسطين هو طريقنا، وأنّ فجرَها قريب، كما كان فجرنا بالأمس قريبًا. وكما نحتفل اليوم في الجزائر بعيد النصر، فسنحتفل بإذن الله، بالنصر الذي يحقّقه الشعب الفلسطيني، بتأييد الله، ثمّ بفضل صبره ورباطه، واستمائته وجهاده. “وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ “. رحم الله شهداء بدر، وشهداء الفتح في كلّ عصر، وشهداء الجزائر، وشهداء فلسطين الّذين يكتبون بدمائهم قصّة نصر قادم، بحول الله. والله غالب على أمره. له الأمر من قبل ومن بعد. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.