أنوار من جامع الجزائر.. وقولوا للناس حسنا ( الجزء الأول )

أنوار من جامع الجزائر.. وقولوا للناس حسنا ( الجزء الأول )

إنّ من نعم الله على بني آدم، نعمةَ الكلامِ واللّسانِ، قال تعالى: “الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ” الرحمن:1 ــ 4، وهو ممّا ميّزه الله به عن سائر المخلوقات، وفضّله به عليهم، قال تعالى في معرض الامتنان على خلقه وبيان نعمه عليهم: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ” [الروم: 22]. وقال أيضا: “أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ” البلد: 8 ــ 9. وممّا اختصّ به عليه الصّلاة السّلام، فصاحةُ اللّسان وحسنُ البيان، وقد قال: “أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ”. ومن هنا جاءت نصوصُ الشّريعة تبيّن أهميّة الكلمة وتأثيرها؛ فالقرآن كلامُ الله تعالى أحسن الحديث وأصدقه، به يهتدي النّاس، وهو كلامٌ، قال عزّ من قائل: “إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ” الإسراء: 9. وقال أيضا: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ” الزمر: 23. وبعث أنبياءه يهدون إلى الحقِّ بألسنةِ أقوامهم ولغاتهم، فقال تعالى: “وَما أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ” الرعد: 4، ولمّا كان أداةَ الدّعوةِ والإرشادِ، أمر الله أن يكون بالرّفق واللّين في الكلام، فقال تعالى: “فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى” طه: 44، وأمر نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم في خطاب قومه من المشركين به فقال “فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ” الزخرف: 89،والنّصوص في بيان فضائلِ الكلمةِ الطّيّبةِ والقولِ السّديدِ أربى على الحصرِ. وبالمقابل من ذلك، شنّعت الشّريعةُ من شأنِ الكلمةِ الخبيثةِ والكلامِ السيِّءِ واللغوِ،وقولِ الزّورِ،والباطلِ…، فقال تعالى: “وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ” الرعد: 26. وحذّر من نشر الإشاعات وترويجها من دون تثبُّتٍ فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”الحجرات: 6. كلّ هذه النّصوص وغيرها كثيرٌ تشدِّدُ على خطورةِ الكلمةِ التي يمكن أن تحيي، كما يمكنها أن تقتلَ وتُحدثَ فتنةً، وتنشأ جراءها عداواتٌ وخصوماتٌ،وقطيعةٌ ومفاسدُ عظيمةٌ؛ وكلُّ ذلك حاصلٌ مشاهدٌ ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر للشيخ محمد مقاتلي