أهمية الشعور بمعاناة المسلمين

أهمية الشعور بمعاناة المسلمين

إن القلب لَيعتصرُ ألمًا وحسرةً لِما حلَّ بأهلنا في غزةَ من كُربة ونكبة، لقد بلغ السَّيلُ زُباه، والكَيدُ مَداه، والظلم منتهاه، واحترقت الأجساد، وجفَّتِ الأكباد، وقرقرت البطون، وظمِئتِ الأجواف، أطفالٌ يصرخون، وشيوخ يَئِنُّون، ومرضى يتوجَّعون، ورجال حائرون، إنه مشهد من مشاهد الإحصار، وأثر من آثاره، بل إنه مشهد من مشاهد يوم القيامة. إن التألُّم لمصائبهم وآلامهم هو مطلبٌ لا يُعذر فيه أحد، فالمشاعر القلبية أمرٌ يملكه كل الناس، ولا يعجز عنه أضعفُهم، يملِك المسلم أن يتألم لآلام إخوانه المسلمين، وأن يتفاعل مع مصائبهم، وإن عجز عن أن يقوم بنصرتهم، بماله أو نفسه. لكن من المؤلم أن يكون حالُ كثيرٍ من المسلمين أنهم لا يُحِسُّون بمعاناة إخوانهم، ولا يهتمون بقضاياهم على المستوى الفردي والجماعي، بل قد يقفون ضدهم، ويحرِّضون عليهم، ويسخرون منهم، وهذه وقعها على أهل المصائب أعظمُ من سلاح عدوهم؛ لأنها جاءت ممن يَرجُون نصرته ومعونته والوقوف معهم. إن القرآن الكريم يحُثُّ على الإحسان والتعاطف، والإحساس بالآخرين، وأنه من أسمى صور العبادة؛ قال تعالى “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ” الإنسان: 8 – 11، يرحم بعضهم بعضًا، ويُحِسُّ بعضهم بما يعاني منه الآخرون؛ كما قال الله: ” ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ” البلد: 17.

وفي السُّنَّة عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ يألَمُ المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسدُ لِما في الرأس” رواه الإمام أحمد. إن من أوكد حقوق الأُخُوَّة بين المسلمين وأَولَاها أن يحمل بعضهم همَّ بعضٍ، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، وخاصة إذا حلَّت بمسلم نازلةٌ من نوازل الدهر، أو نائبة من نوائب الزمان، إن هذه العقيدة التي جاءت وتغلغلت في النفوس، وتمكَّنت من القلوب قد أحدثت بين الناس قوةً في العلاقة، وترابطًا وتألُفًا سُمِّيَ بالوحدة الشعورية؛ حتى لَترى الرجلَ المسلم في أقصى المشرق يَحِنُّ إلى المسلم في أقصى المغرب، ويأنَس إليه، على الرغم من اختلاف اللغات والعادات، وتباعد المسافات. إن هذه الوحدة الشعورية بين المسلمين جعلت العلاقةَ والرابطة بينهم مبنِيَّةً على أُسُسِ العقيدة والإيمان، فالعقيدة هي العُروة الوُثْقَى التي تلتقي فيها سائر الأوصال البشرية والعلاقات الإنسانية؛ إن الوحدة الشعورية بين المسلمين مِنْحَةٌ قُدْسِيَّة، ومنحة إلهية يقذِفها الله تعالى في قلوب المخلصين من عباده، وهي قوة إيمانية نفسية تُورِثُ الشعور العميق بالمحبة والعاطفة، والاحترام والثقة المتبادلة بينهم، وتُورِث أخلصَ المشاعر الصادقة باتخاذ مواقف إيجابية من محبة وإيثار، ورحمة وعفوٍ، وتعاون وتكافل، وإحساس وابتعاد عن كل ما يضر في أنفسهم وأموالهم، وأعراضهم وكرامتهم؛ ولذلك جاء الإسلام ليُثبِّتَ هذه المعاني؛ فعن ابن عباس قال: سمعت النبي صلى لله عليه وسلم يقول: “ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع” صححه الألباني، وفي رواية عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما آمَنَ بي من بات شبعانًا، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به” صحيح الجامع.

 

من موقع شبكة الألوكة الإسلامي