شرعت مجموعة من الأطباء بفحص المتشردين وتقديم الأدوية لهم، إضافة إلى الأغطية والوجبات الساخنة.
وجاءت هذه الفكرة بعد أن دعا طبيب في مقطع فيديو، إلى حملة تطوعية في ظل الاضطرابات الجوية التي تعرفها العاصمة.
وقال الطبيب العام، بفيديو مصور بالعاصمة، “أحاسب نفسي لأني مع أولادي في الدفء وهؤلاء المتشردين يعانون من البرد والأمطار بالشوارع”.
ودعا صاحب المبادرة، كل الأشخاص إلى أخذ ساعة أو ساعتين من وقتهم، لجلب ما يستطيعون من أغطية وأكل ساخن.
ومع أن العمل الخيري في الجزائر، خاصّة خلال هذا الفصل ليس بالأمر الجديد، إلا أنه للمرّة الأولى تشمل عملية التضامن تقديم فحوصات وأدوية للمتشردين في شوارع العاصمة.
نداء استغاثة ونقطة البداية
انطلقت هذه الحملة، التي استهدفت التكفّل بالمتشردّين في شوارع العاصمة، بعدما نشر الطبيب العام حكيم بورنان فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، دعا فيه الجميع إلى ضرورة التجنّد لمساعدة من يقضون ليلهم على أرصفة شوارع العاصمة في هذا الوقت من العام المتميّز بأمطاره الغزيرة وبرده القارس، وتقديم أقلّ الضّروريات التي من شأنها التقليل من معاناتهم.
وقال “أعاتب نفسي لأني أبيت رفقة أبنائي في مكان دافئ، وأحاسب أيضًا إخوتي الذين هم في مثل وضعي، ففي هذا الجوّ البارد بشوارع الجزائر العاصمة، يفترش شيوخ وعجائز وأطفال الأرض، إنّهم يعانون”.
كما قال الطبيب: “رسالتي إنسانية تضامنية تكافلية، لذا على كلّ واحد منا أن يتطوّع ولو لساعة واحدة، بأن يأتي بوجبة ساخنة أو أغطية أو أفرشة لهؤلاء المتشرّدين”.
كما أكد بورنان أنه سيسعى إلى تعميم العمل التطوّعي في كل أنحاء الوطن، والاهتمام بفئة المتشردّين في الشوارع لأنهم بحاجة ماسّة إلى مساعدة خاصة في هذه الظروف المناخية القاسية. هنا، يوضّح المتحدّث أنه إذا ما وضع الجزائريون أيديهم في أيدي بعض، يُمكن أن تتحوّل هذه المبادرة إلى حملة واسعة في كامل البلد لمساعدة المحتاجين والمتشرّدين.
مبادرة فردية واستجابة جماعية واسعة
قال الدكتور حكيم بورنان إن مبادرته الفردية كان هدفها دعوة الأطباء لفحص المتشرّدين الذين يرفضون إجراءه من قبل الأطباء التابعين لمديريات النشاط الاجتماعي، لاعتقادهم أنهم سيُجبرونهم على الذهاب إلى مراكز إيواء المتشرّدين، فهم يرفضون دخولها بحجّة أنهم لا يتلقون المعاملة اللائقة ويجبرونهم على البقاء في المركز وعدم مغادرته. وأضاف بورنان:”لقد لقي هذا النداء استجابة واسعة، فقد اتصل أشخاص من عدّة ولايات منها بجاية ووهران”.
يُلفت الدكتور حكيم بورنان إلى أن الخرجة الأولى لهذه المبادرة مست ساحة بورسعيد وشارع عبان رمضان وساحة الشهداء، أما الخرجة الثانية كانت بحي سوسطارة وأوّل ماي وسط العاصمة الجزائر.
وأوضح بورنان أن هذه الخرجة تمّت تحت غطاء جمعية “جزائر الخير” التي ينتمي إليها حتى لا يواجهون مشاكل متعلّقة بتقديم التبرعات، كما يفضلون أن تكون الخرجة محدودة العدد حتى يتمّ تنظيم الوفد المشارك في الحملة جيدًا، مبينًا أن المشاركة كانت من طرف أعضاء الجمعية ومن متطوّعين استجابوا لهذه النداءات، لا يفضّلون العمل تحت تأطير الجمعيات.
“فراش دافئ” مبادرة للجميع
حملة “فراش دافئ” الخاصّة بفحص المتشرّدين وتقديم المساعدات لهم، عرفت مشاركة لافتة من طرف الشباب. هنا، يلفت الدكتور أنّ هذه المبادرة مفتوحة لكل الفئات مهما كانت أعمارهم ومهنهم ولا تقتصر على الأطباء فقط، وذلك بهدف غرس ثقافة العمل التطوّعي وسط الجزائريين.
مواقع التواصل تفتح النقاش
تفتح حملة التكفل الصحّي بالمتشردين، التي انطلقت من نداء على مواقع التواصل الاجتماعي، النقاش من جديد حول واقع التكفل بهذه الفئة، سواءً من طرف الجهات الرسمية الممثلة في وزارة التضامن الوطني، أو من طرف الجمعيات المدنية التي أنشئت لأجل هذا الغرض.
في هذا الإطار، تقوم خلايا الإسعاف الاجتماعي في كل الولايات منذ بداية فصل الشتاء بخرجات ميدانية خاصّة في الفترات الليلية لنقل الأشخاص دون مأوى إلى مراكز مخصّصة لهم، غير أنه في كثير من الأحيان تقتصر هذه العمليات على المدن الكبرى فقط، وتغيب كليًا في المدن الداخلية والبلديات الصغيرة.
مشردون يرفضون التجاوب
يرفض كثير من المتشردين في الغالب التجاوب مع مبادرة السلطات في المدن الكبرى في البلد، خوفًا من احتجازهم أو تعرّضهم إلى سوء المعاملة في هذه المراكز بحسب شهادات الجمعيات المدنية الناشطة في هذا المجال، الأمر الذي يحتّم اليوم إعادة النظر في طريقة التكفّل بهؤلاء، خاصّة وأن السلطات ترصد سنويًا مبالغ مالية معتبرة لا تلقى حتى اليوم في كثير من المرّات طريقها لمستحقيها.
ولا يتوقّف هذا الرفض من المتشردين على السلطات الرسمية، بل الأمر ينطبق أيضًا على الجمعيات الخيرية الناشطة في هذا المجال، حيث تحوّلت هذه الجمعيات في السنوات الماضية إلى مداومات انتخابية ولجان مساندة للرئيس السابق أو للأحزاب الداعمة له، لذلك وجدت المجموعات الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي مجالًا لسدّ الفراغ الذي تركته هذه الجمعيات.
لمياء بن دعاس