في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” فإذا صَلح الولد دعا لأبيه. فشهر رمضان فرصة عظيمة للآباء والأمهات حتى يعوِّدوا أولادهم على العبادات والطاعات التي تورثُ مَحبَّة الله في قلب الطفل منذ الصِّغَر، فإنَّه إذا رأى كرَمَ ربِّه وجزيل عطاياهُ في رمضان، زادت محبته سبحانه، والمحبة ركن في الإيمان، وهي أساس الأعمال، فيُقْبِل الطفل على العمل مُحبًّا له، متمسِّكًا به، متقِنًا لأدائه، ويجب على الأب في رمضان أن يربِّي أولاده على تدارس القرآن وتدبُّره، وهو معنى أخصُّ من مجرَّد قراءته، فيعيش الطفل بين آيات القرآن وقصصه ووعده ووعيده، فتدمع عينُه تارةً ويلينُ قلبُه تارةً أخرى، يرى الأمم الماضية حاضرةً عنده، ويعيشُ مع الأنبياء صبرهم ونصحهم وابتلاءهم، ويستنبط الأحكام ويستفيد الفوائد؛ ولذلك: “كان جبريل يُدارس النبيَّ صلى الله عليه وسلم القُرآن في رمضان كل ليلة”.
رمضان يربي الأطفال على الإتباع ومُوافَقة الشرع؛ حيث لا يفطر الصائم إلا إذا أَذِن له الشرع؛ وذلك بغروب الشمس، ولا يُمسك الصَّائم إلا إذا أَذِن له الشَّرع؛ وذلك بأذانِ الفجْر، كما يَمتنِع الصائم عن المباحات امتثالاً لأمْر الشرع، فيتربَّى الطفل على تتبُّع أوامره والتقيُّد بِها، وتنفيذها على حدود ما رسَمه لنا، ويعني هذا سلامة الأفعال من البِدَع والانْحِراف وضمان ذلك. ومن صام فإنه يتربى على حفظ اللسان عن فاحش الكلام، ومن حفِظ لسانَه سلِمتْ له أعماله؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلا يَرْفُثْ ، وَلا يَجْهَلْ ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ ” رواه البخاري. ففي رمضان يتعوّد الطفل على حفْظ الوقْت من الضياع، ومن الضروري جدًّا أن يعرف الطفل أن أسمى فوائد الصيام تتعلق بزرع الشُّعور داخله بأهل الفَقْر والحاجة، ومعرِفة ما يُقاسونَه من ألَم الجوع وحرِّ العَطَش، وقد أجْمع أهل العلم على أنَّ الصِّبيانَ يُؤْمَرون بالصِّيام ليتعوَّدوا، وهذا تربية لَهم من وجهين: تربية لهم على تعوُّد العبادة، وتربية لهم على حَمل المسؤولية، وأنَّ عليهم ما على الكبار، وأنَّهم جزء مِن المُجتمع.