الأمير عبد القادر الجزائري.. بناء الدولة

الأمير عبد القادر الجزائري.. بناء الدولة

إن الهدف الأسمى والأشمل لعبد القادر هو جعل عرب الجزائر شعبا واحدا، ودعوتهم للمحافظة التامة على دينهم، وبعث روح الوطنية فيهم، وإيقاظ كل قدراتهم الكامنة، لبناء مجتمع الحرب والسلم، ولدعم اقتصاد الحرب بزيادة الإنتاج في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة. ولم يكن الطريق ممهدا، واصطدم بعقبات كثيرة، غير أنه تابع بذل جهوده بدون كلل أو ملل لإيقاظ الشعور الديني للعرب وتوحيدهم وتوجيههم نحو الهدف الأسمى “الجهاد في سبيل الله ضد الغزاة – أعداء الدين والوطن”. ومن أجل ذلك فقد عمل منذ البداية على تنظيم التعليم العام ونشره بين القبائل. وقد تحدث عن ذلك بقوله: “كان من واجبي كحاكم مسلم أن أدعم علوم الدين وأن أبعثها. لذلك فتحت المدارس في المدن وبين القبائل. فكان الأطفال في هذه المدارس يتعلمون بدون مقابل العبادات والصلاة وحفظ تعاليم القرآن وفروضه ومعرفة القراءة والكتابة والحساب بصورة جيدة. وكان الذين يريدون مواصلة تعليمهم بعد ذلك يرسلون إلى الزوايا والمساجد لتعلم التاريخ وعلوم الدين. وخصصت للطلبة رواتب على حسب معارفهم ودرجاتهم. وظهر لي أن العلم هام جدا، فعملت على تشجيعه، ولكي أساعد الطلبة على دراستهم بذلت أقصر جهد ممكن للمحافظة على الكتب والمخطوطات من الضياع. وكان هناك أكثر من سبب يدفعني إلى بذل هذه الجهود، ذلك أنه بالنسبة إلينا يلزم المرء عدة شهور لكتابة نسخة واحدة. ومن أجل ذلك أعطيت أوامري المشددة في جميع المدن والقبائل لبذل أقصى عناية ممكنة من أجل المحافظة على المخطوطات. واشتملت أوامري على فرض عقوبات شديدة لمعاقبة كل من يتلف أو يفسد مخطوطا. ولما كان جنودي يعرفون مدى اهتمامي بهذا الموضوع فقد كانوا يحرصون على إحضار كل ما تقع عليه أيديهم من مخطوطات أثناء الغزوات. وكانوا يقومون بذلك بعناية فائقة. ولكي أشجع غيرتهم وحماستهم في هذا المجال كنت دائما أعطيهم جوائز كبيرة على ذلك. وشيئا فشيئا جمعت مجموعة ضخمة من هذه المخطوطات ووضعتها في أماكن أمينة في الزوايا والمساجد وأوكلتها إلى الطلبة الذين كانوا موضع ثقتي. وبنفس الهمة التي وضعت بها نظام التعليم العام أسست نظام القضاء. فقد خصصت للقضاة رواتب شهرية، بالإضافة إلى علاوات يتقاضونها لقاء قيامهم ببعض الواجبات الأخرى، كان النظام الذي أريده يقوم على أن ممثلي القضاء يجب أن يظهروا في كل مكان، بل أن يتبعوا جيشي في مسيرته.

من كتاب – جهاد شعب الجزائر-