وتزوج عبد القادر وهو لا يزال يافعا، التزاما بالحديث الشريف “من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أحصن للفرج” وكانت زوجته “لالة خيرة” بنت عمه سيدي على بوطالب. وكان على هذه الزوجة الفاصلة أن تحتمل مع زوجها مشاق الرحلة الطويلة – رحلة العمر في الجهاد. بلغ محيي الدين والد عبد القادر الخمسين من عمره، فأراد أداء فريضة الحج، واتخذت استعدادات كبيرة للحدث الهام، ورغب الكثيرون في مرافقة الشيخ المرابط للحج، وفي طليعتهم أبناؤه وحاشيته. وقرر “محيي الدين” الخروج وحده تخلصا من الموقف الحرج، غير أنه عاد فعدل عن قراره، وأعلن أن “عبد القادر” هو الوحيد الذي سيرافقه، ورضخ الجميع لهذه الإرادة وقلوبهم يغمرها الحزن. وغادر الأب والابن قريتهما “قيطنة” في تشرين الأول – أكتوبر – 1823. وما أن انتشرت أخبار عزم “محيي الدين” على الحج حتى ترددت في كل أنحاء وهران صيحة إلى الحج .. وأقبل الآلاف من كل الجهات وهم يحملون خيامهم ومتاعهم، وتجمع الركب الكبير على ضفة نهر جديوية في “سهل شلف”. ووصل ومعه عبد القادر إلى قسنطينة وهناك انضما إلى قافلة تضم ألفي حاج، ركبوا جميعا البحر إلى الإسكندرية. وكانت هذه الرحلة مثيرة جدا للشاب عبد القادر الذي أخذ في الاطلاع على عالم جديد لا سيما عندما توجه من الإسكندرية إلى القاهرة، حيث رأى عبد القادر للمرة الأولى والأخيرة محمد علي باشا حاكم مصر الذي طبقت شهرته الآفاق، وأخذ يتأمل طويلا في هذا الجندي الناجح الذي عرف بكفاءته الإدارية التي كانت تنافس كفاءته العسكرية. وأكمل محيي الدين مع ابنه رحلة الحج، فكانت متعة روحية لا توصف وبعد أداء مناسك الحج في مكة المكرمة والمدينة المنورة، انفصلا عن الحجيج ويمما شطر دمشق، ليقضيا معظم وقتهما في التردد على الجامع الأموي الكبير، وليفيدا من هذه المناسبة لقراءة الحديث وتدارسه مع الشيخ عبد الرحمن الكزبري.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-