إن الله عز وجل يطلب منا جميعا الخضوعَ له، والاستجابةَ والاستكانةَ إليه، ومما يطلبه منَّا أيضًا الاعتراف بالخطأ والتوبة منه، بمعنى أن نعترف بخطئنا وزلتنا، وألا نُصِرَّ على الذنب الذي نقترفه، ومن فعل ذلك يرجى له من الخير الكثير، فقد قال تعالى: ” وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” التوبة: 102. ألا تعلموا أن أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام على ما آتاهم الله من مكانة واصطفاء، كانوا إذا أذنبوا اعترفوا بذنوبهم؟ فهل استنَّنَا بسنتهم؟
– ها هما أبوانا آدم وحواء عليهما السلام، حين اعترفا بخطئهما، سجل الله لهما هذا الموقف ليكون نبراسًا لنا، فقال تعالى في شأنهما: ” قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” الأعراف: 23.
– وها هو كليم الله موسى عليه السلام، اعترف بخطئه وطلبَ المغفرة من ربه حين قتل رجلًا من بني إسرائيل دون قصد؛ قال تعالى: ” وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” القصص: 15، 16.
– وكلنا يعرف قصة نبي الله يونس عليه السلام عندما غضب على قومه حين كذَّبوه وتمردوا عليه، فطال ذلك عليه، ولم يتحمل منهم، فخرج من بين أظهرهم غاضبًا، وتركهم دون أن يستأذن من الله عز وجل، وظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لن يُضيق عليه بفَعلته تلك، فسجنه الله عز وجل في بطن الحوت، فتذلل لله عز وجل، واعترف بخطئه قائلًا: ” لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ” الأنبياء: 87، فأنجاه الله عز وجل وأخرجه من بطن الحوت.
– وها هي ملكة سبأ، اعترفت بمعصيتها وعبادتها للشمس من دون الله، فتابت وتاب الله عليها، فقال في شأنها: ” قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” النمل: 44.
لذلك فإن المسلم مطالب أن يبادر إلى الاعتراف بخطئه فورَ وقوعه في المعصية، ولا يُصِرُ عليه، بل يسارع للتوبة إلى الله عز وجل. والأمر الآخر الذي يجب أن ننتبه له أنه ينبغي علينا أن نعترف بذنوبنا وتقصيرنا في الدنيا قبل الممات؛ لأنه لن ينفعنا الندم بعد الموت؛ قال تعالى في شأن أهل النار الذين لم يعترفوا بتقصيرهم إلا بعد أن ذاقوا عذاب النار: ” فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ” الملك: 11.