إن أول نوفمبر هو ثمرة وحوصلة لنضال أجيال فهو إلى جانب كونه حدثا إستراتيجيا بعيد المدى أخرج الحركة الوطنية من أزمتها وتناقضاتها وفتح لها آفاق جديدة وطرق نضال صحيحة ذو بعد تاريخي عميق لا يمكن نكرانه. إن الحركة الدينية التي قادها علماؤنا الأجلاء تعدى صداها حدود الوطن، لقد أدخلت تلك الثورة الثقافية على المجتمع الجزائري وأيقظت فيه روح الأخوة والتضامن، وبعثت فيه الأمل الذي هو مفتاح الوصول إلى الغاية المنشودة، وأعدت إلى بر الأمان، وهذا بفضل الاتفاق الكلي الذي كان يبين الحركة الدينية والحركة السياسية والذي مكن الجزائر من استرجاع سيادتها واستقلالها وحريتها. ويفسر هذا الاهتمام المتزايد للتيار الثوري بمسائل الأحوال الشخصية إلى ذلك الدور الذي قامت به جمعية العلماء المسلمين في هذا المجال، وقد تبنت هذه الجمعية مشروعا يقوم على الدين والعلم والأخلاق وجعلت الحركة السياسية الوسيلة لبناء هذه الأعمدة الثلاث، ولا شك أن إصلاح العقيدة هو أساس كل إصلاح، فقد قال الإمام مالك رضي الله عنه:” لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ”، وهو الشعار الذي رفعه المصلحون في الجزائر وجسدوه في أقوالهم وأفعالهم وكتاباتهم ويقول مبارك الميلي مؤرخ الجزائر وأحد علمائنا:” من حاول إصلاح أمة إسلامية يغير دينها فقد عرض وحدتها لانحلال وجسمها للتلاشي، وصار هادما لعرشها بنية تشييده”. وظل مفهوم الوطنية في أدبيات التيار الثوري يتماثل مع مفهوم استرجاع السيادة الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية للمجتمع الجزائري، وقد ارتبط نضال التيار الثوري في سبيل تحقيق هذه المسألة بالدفاع عن الهوية العربية الإسلامية للجزائر واسترجاع السيادة الوطنية، التي هي من الأهداف الإستراتيجية الكبرى للثورة والمرتبطة ارتباطا وثيقا بالنضال ضد محاولات المس بعروبة وإسلام الجزائر، والحق أن العلاقة بين مطلب استرجاع السيادة ومطلب العروبة والإسلام كانت بارزة في إيديولوجية التيار الثوري منذ تأسيس نجم شمال إفريقيا مرورا بحزب الشعب الجزائري، ووصولا إلى حركة الانتصار من أجل الحريات الديمقراطية وبذلك فإن إصباغ صبغة العروبة والإسلام على مفهوم الوطنية يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن التيار الثوري كانت له قناعة في الهوية العربية الإسلامية للجزائر تضاهي قناعته المتعلقة بالسيادة الوطنية، ولذلك وأثناء تحديده للأهداف والمبادئ العامة التي تحكم الدولة الجزائرية كانت مسألة الهوية العربية الإسلامية ضمن تلك المبادئ والأهداف .
مذكرة تخرج – جامعة تيارت-