لتربية النفوس أساليب وطرق متعددة، ذلك أنها تعنى بالنفس البشرية المتقلبة التي لا تثبت على حال، فهي ما بين فرح وحزن، وضحك وبكاء، وقوة وضعف، وفترة وشرة، وإقبال وإدبار، تتأثر باليسير، ويتحكم في تصرفاتها موقف طارئ أو كلمة عابرة؛ لذلك تتنوَّع وتتعدَّد أساليب تربيتها، ومنها التربية بالقصة؛ لما لها من التأثير والجاذبية للنفوس ما لا تبلغه أيُّ وسيلة تربوية أخرى، فهي تشدُّ المستمع، وتوقظ انتباهه، فتجعله دائمَ التأمُّل في معانيها والتتبُّع لمواقفها، والتأثُّر بشخصياتها وموضوعها. إن للقصة تأثيرًا عجيبًا في هذه النفس سلبًا أو إيجابًا لا محالة، فهي تثير انفعالات النفس البشرية، وتولد فيها الحب والكره، والخوف والترقب، والرضا والارتياح، والحزن والفرح، والأمل واليأس، حسب محتواها والهدف منها، إلى جانب أن التربية بالقَصِّ من أقدم الأساليب، وقد صاحبت الإنسان عبر مسيرة حياته، واتخذت الشعوب والمجتمعات من سرد القصص وسماعها وسائل وطرقًا متعددة، واشتهر القَصَّاصُون وأثروا في مجتمعاتهم، وتداول الناس حكاياتهم وقصصًا أصبحت مثلًا يضرب به، وعبرة وعظة يستفاد منها.
وإذا كان للقصة هذا التأثير العجيب في النفس، فكيف إذا كان مصدرها كتابًا ربانيًّا معجزًا، أو سنة نبوية جامعة، لهما من الواقعية والصدق ودقة التصوير، ومِن السِّماتِ ما ليس لغيرهما؛ لذلك تحدَّث القرآن الكريم والسنة النبوية عن الكثير من القصص في مختلف جوانب الحياة؛ سواء كان ذلك عن الأنبياء والرسالات أو الأفراد أو الجماعات أو الدول والحضارات، تربية وتوجيهًا وصقلًا وإعدادًا للنفوس المؤمنة، وسماها سبحانه وتعالى أحسن القصص، فقال ” نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ” يوسف: 3، وقال سبحانه ” لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ” يوسف: 111. وهذا السرد لهذه القصص وتكرارها في سور القرآن لم يكن إلا لهدف تربية النفوس، تثبيتًا لإيمانها، وتوجيهًا لسلوكها، وتقويمًا لأخلاقها، قال تعالى ” وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ” هود: 120، علاوة على ذلك فقد أفرد الله عزَّ وجلَّ سورةً كاملة باسم “القَصَص”. فضلًا عن تعدُّد القصص في القُرآن الكريم التي كانت جميعها ذات هدف ومعنى، فقد بيَّنت مثلًا شناعة ما كان عليه قوم لوط، وما كان عليه أهل مَدْين، وما كان عليه الطغاة والمفسدون من ظلم وجور ومنع للفقراء، وصوَّرت خطورة الحسد الذي حمل أحد ابني آدم على قتل أخيه، وبينت طبائع اليهود، وفي جانب آخر وضَّحت ما كان عليه الأنبياء والصالحون من صبر وعدل وعطاء، وفي قصة يوسف عليه السلام نموذج لقصص القرآن بما فيها من أحداث ووقائع بين الأب والأبناء، وبين الإخوة مع بعضهم، وبين النفس البشرية وحظوظ الشيطان، وبين الإيمان والكفر، وبين القيم والأخلاق، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم المربِّي، ما ترك طريقةً ولا أسلوبًا يوجه ويربي من خلاله أصحابه إلا سلكه، ومن ذلك التربية بالقصص، فقد حفلت السنة النبوية والسيرة بالكثير من القصص والمواقف التي كان يستثمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في توجيه أصحابه وتربيتهم
من موقع شبكة الألوكة الإسلامي