نقف اليوم مع آفة من أشد آفات المجتمعات اليوم، هذه الآفة باتت تهدد الأسر بل والمجتمع بأسره؛ لما لها من آثار سلبية، وعواقب وخيمة، هذه الآفة يفعلها بعض الناس بقصد أو بغير قصد، ويجهلون خطورتها، هذه الآفة عدها العلماء رحمهم الله بأنها باب عظيم من أبواب الكبائر، وصاحبها مطرود من رحمة الله تعالى، وتبرأ منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتوعده بعدم دخوله الجنة، هذه الآفة هي من أعظم الوسائل التي يفرح بها الشيطان، فبسببها كم من حياة زوجية دبت فيها الخلافات والمشاكل؟ وكم من العلاقات الزوجية انتهت بالطلاق؟ وكم من الأزواج مَنْ نشبت في قلوبهم العداوة والبغضاء والكراهية؟. هذه الآفة هي “التَّخْبِيب”، فيروس من فيروسات الحياة الزوجية.. فيا ترى ما هو التخبيب؟ التَّخْبِيبُ في اللغة: هو الفساد والخداع وَالْخُبْثُ وَالْغِشُّ، تقول: خَبَّبَ فلانٌ على فلانٍ صَدِيقَه: أي أَفْسَدَهُ عليهِ، وَخَبَّبَ فُلاَنٌ غُلاَمِي: أَيْ خَدَعَهُ. وفي الاصطلاح الشرعي: هو جامع لمعاني الإفساد والمخادعة والغش، والتخبيب بين الزوجين: هو إفساد الزوجة على زوجها، وإفساد الزوج على زوجته. فالتخبيب هو الإفساد بين الزوجين سواء كان المفسد من داخل الأسرة أم من خارجها.
لذلك القرآن الكريم عدُّ التخبيب جرمًا عظيمًا من كبائر الذنوب، ومن أفعال السحرة الذين يسعون للتفريق والإفساد بين الزوجين، فقال تعالى متحدِّثًا عن قصة هاروت وماروت “وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ” البقرة: 102. ولخطورة التخبيب تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن يسعى للإفساد بين الزوجين، وتوعده بحرمانه من الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم:
” لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ” رواه أبو داود، يعني أفسد زوجة على زوجها بأن يذكر عندها مساوئ زوجها، أو محاسن أجنبي عندها، فهو يعمل على تحسين الطلاق إليها حتى يطلقها فيتزوجها أو يزوجها لغيره أو من باب الغيرة والحسد وإتباع الهوى والشيطان، ولو نظرنا إلى واقع الناس اليوم سنجد أن من أخطر أساليب التخبيب هو يوم أن يظهر المخبب بصورة الناصح المشفق المتعاطف، فهو لا يصرح بالتخبيب لكنه يلمح وربما بقصد أو بغير قصد، فيأتي إلى الزوجة ويقول لها: “والله أنت تستحقين عيشة أفضل من هذه العيشة، أنت لا تزالين شابة صغيرة وجميلة، والله مقامك أفضل وأرفع من مقامك هذا، ويذكر لها بأن فلانة تعيش هكذا وهكذا، وفلانة تلبس كذا وكذا، فتبدأ هذه الزوجة تقارن حالها وعيشتها بحال ومعيشة تلك الزوجات، فتبدأ تطلب من زوجها ما هو فوق طاقته فتبدأ الخلافات والمشاكل، ومن هنا يبدأ التحريض والتخبيب. فكم من أم بسبب كلامها أفسدت حياة ابنتها مع زوجها؟ وكم جارة بسبب كلامها كانت سببًا في طلاق جارتها؟ وكم من أخت أو قريبة أو صديقة بسبب نصائحها التي فيها التخبيب كانت سببًا لهدم بيت هذه الزوجة؟. فينبغي أن ينتبه المسلم لكلماته – وكذلك المسلمة -؛ فقد تفسد كلمة علاقة زوج بزوجته، وتؤدي إلى الطلاق، فالمسلم يكون مصلحًا بين الناس، ولا يتدخل بين الزوج وزوجته إلا أن يقول كلمة تجمع بينهما وتصلح بها أحوالهما، ويذكّر الزوج بنعمة زوجته، ويشجعه على احترامها، والمحافظة عليها فهي أم أولاده، ويشجع الزوجة على طاعة زوجها، واحترامه، والصبر عليه، فيزرع الألفة والمحبة بين الزوجين.