تعتبر الحناء الحاضرة الأولى في جميع الأفراح وحفلات الزفاف لما ترمز إليه من مشاعر الفرح والبهجة دون أن ننسى حضورها وبقوة في المناسبات الدينية، مثل المولد النبوي الشريف، عيد الأضحى، عاشوراء.. وطهارة الطفل والأعراس التقليدية وحتى الراقية منها، حيث تضعها العروس ليلة قبل عرسها وهذه العادة منتشرة في الكثير من المدن الجزائرية حسب تقاليد كل منطقة ويسمونها بـ “الفال” أي أنها ستجلب لها السعادة والخير.
الحناء لتدشين حفلة الزفاف
والحناء هي نوع من أنواع الزينة عند المرأة، وهي نبات طيب الرائحة، لذلك فالمرأة الجزائرية بصفة خاصة تعد من أبرز المهتمات بها في الوطن العربي، ويضعها أهل العريس لعروسهم في السهرة وتعتبر حفلة تدشينية ليوم الزفاف، إذ يتجه أهل العريس إلى بيت العروس في السهرة وتقدم المشروبات حينها للضيوف، ثم تقوم إحداهن من أهل العريس بتقديم “الجهاز” أي الملابس التي يجهزونها للعروس طوال فترة الخطوبة، وعندما تكتمل هذه الخطوة ينتقلون إلى خطوة أخرى وهي مهمة جدا في الأعراس الجزائرية، لأن السهرة في الأصل تنظم بهدف وضع الحناء، حيث تأخذ أم العريس أو جدته الحناء تخلطها مع حبة بيض وتبللها بماء الزهر، كما توضع للرجل أيضا في نفس الليلة بعد العودة من بيت العروس، وذلك عند بعض العائلات الجزائرية خاصة في منطقة القبائل، إذ تتقدم إحدى كبيرات السن من العائلة لوضعها له، ويكون ذلك في الأصبع الأول أو على شكل دائرة صغيرة في وسط اليد.
التجار يجدون في الحناء سلعة رابحة مع تعدد المناسبات في المجتمع الجزائري
ونحن مع مواعيد الأعراس، اختار بعض التجار عرض الحناء على الزبائن وهي مرفقة بالحراقيس المطلوبة جدا من طرف الفتيات، لاسيما المراهقات كونهن يبحثن عن التجديد في كل شيء ويفضلن تلك النقوش ليبتعدن قليلا عن الشكل العادي الدائري المألوف أو تخضيب كامل الكف، بحيث أقبلن على أنواع الحراقيس المعروضة في هذه الفترة على مستوى السوق كون العديد من التجار ينتهزون فرصة الأعياد من أجل الاستثمار وزيادة المداخيل، فهم على يقين من الإقبال الكبير عليها من طرف الفتيات، خاصة وأن الحناء تدخل في الأعراف الحميدة التي تجلب الفأل الحسن. ولرصد مستوى الإقبال اقتربنا من بائع للحناء على مستوى سوق الجرف بالعاصمة الذي كان يعرض إلى جانب الحناء الحراقيس، فأوضح أن مستوى الإقبال كبير خاصة من طرف الفتيات، بحيث بهرتهن تلك النقوش متنوعة الأشكال والأحجام ومنها ما يخص اليد ومنها ما يخص الأرجل، بحيث عادة ما ترفق الزبونة كيس الحناء بتلك النقوش لاسيما وأن سعرها مغرٍ ولا يتجاوز 70 دينارا لتحصل الفتاة على حناء رائعة بتلك الأشكال، ليختم بالقول إن الحراقيس صارت مطلوبة جدا بالنظر إلى سهولة وضعها حتى أن هناك من تجهل ذلك، فلا يبخلون عليها بشرح العملية الجد سهلة فيكفيها وضع الحرقوس بعد نزع الجزء اللاصق لتشكل تلك الأشكال على اليد، وفي اليوم الموالي تظهر تلك الأشكال محمرة وتتخذ لون الحناء وهي على العموم طريقة مطلوبة جدا في السنوات الأخيرة.
الفتيات يتفنّن في التزين بالحناء ويرسمن لوحات فنية في أيديهن بواسطتها
وقد تطورت طريقة وضع الحناء بشكل غريب، خاصة عند الفتيات اللواتي أصبحن يتزين بها على شكل نقوش وأشكال مزخرفة على ظهر اليد والأرجل وحتى الكتف ليشبه الوشم، وبما أن الوشم محرم في الدين، لجأت الكثير منهن إلى استعمال الحناء بنفس رسوم الوشم في أغلب الأحيان، حيث يعوض ذلك وضع الاكسسوارات والمجوهرات، لأنه في نفس الوقت يعطي أشكالا ونقوشا مميزة، وكونها أيضا تحافظ على لونها لمدة طويلة، هذا وباتت أشكالها تبعد عن الأشكال التقليدية وظهرت الحراقيس بكل أنواعها الخاصة بالأرجل والأيدي، حتى أن بعض صالونات الحلاقة باتت تضع تلك الحراقيس على الطريقة المشرقية وبالأخص اللبنانية وتتزين العروس بها ليلة زفافها، من دون أن ننسى حضورها القوي في العيدين المباركين وفي المولد النبوي الشريف، فهي ترمز للفرح والسرور، وعادة ما تقترن بالمناسبات السعيدة وهو ما جعل الإقبال عليها متزايدا من طرف النسوة والفتيات قبيل العيد لتخضيب أياديهن وأيادي أطفالهن خلال العيد، بحيث تظهر أيادي الأطفال الصغار جميلة وتزيد الحناء من بهائهم وهم بألبسة العيد.
استطلعنا بعض آراء الفتيات والنسوة فيما يخص الحناء، فأجمعن على ضرورة حضورها في الأعياد، حسب ما عبرت به السيدة “عقيلة” التي رأت أنه لا نكهة للعيد من دون تخضيب أيادي الأطفال وكامل أفراد الأسرة وحتى الرجال هناك من يهوى وضعها في راحة اليد، وعن الحراقيس قالت إن هناك ميلا لبناتها لتلك الأشكال، أما هي فتفضل وضعها على الطريقة التقليدية ورأت أن اللهث وراء الجديد يخص المراهقات، أما السيدات من سنها يكفيهن الاستمتاع بطيب الحناء ووضعها على شكل عادي جدا ويكون في غالب الأحيان على شكل قرص دائري أو تخضيب كامل الكف.
أما “سلوى” 18 عاما، فقالت إنها تحبذ وضع الحناء والاستعانة بالحراقيس من أجل تشكيل تلك النقوش على اليد والأصابع، بحيث تنوعت النقوش ومنها حتى الخاصة بالأرجل، وأعلمتنا أنها اشترت الحراقيس الخاصة براحة اليد وكذا الأصابع بغية استعمالها في العيد وتشكيل تلك النقوش الرائعة.
الحناء تعوض الصبغات المصطنعة
وتكسب ثقة الفتيات لدورها الصحي للشعر والجلد كما تستخدم في الشعر أيضا لمحاولة الاستغناء عن الصبغة، فبعدما كان وضع الحناء يقتصر على العجائز لإخفاء الشعر الأبيض، اكتشفت الآن الفتيات أسرار هذه المادة ولأن الحناء تحمل اللون الأحمر نفس لون الموضة في هذه السنوات، إلا أنه لون طبيعي وجذاب لكن لا يصلح عند اللواتي يحملن الشعر الجاف لأنه يجفف الشعيرات، كما نلاحظ في هذه الأيام ظهور علب الحناء بألوان مختلفة في الأسواق الجزائرية، إذ تم حاليا توفير هذه المادة التي بدورها تقاوم سقوط الشعر بدل تلك الصبغات الكيماوية التي تسبب مشاكل سقوط الشعر وتقصفه، حيث يتوفر في الحناء ألوان متعددة مثل اللون البني بدرجاته الفاتح والقاتم والبني الطبيعي، ولون القرفة والشكولاتة والكرز، واللون الأحمر الغامق المحبوب عند الفتيات واللون الأسود الذي تحتاجه أكثر النساء الكبيرات في السن، كما يمكن أن يكون مسحوق نبات الحناء ناعما أو خشنا، ولنبات الحناء خصائص تساعد على تغذية الشعر وعلاج بعض مشاكله، خاصة الشعر الذهني.